تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ} (6)

الآية 6 وقوله تعالى : { إن الشيطان لكم عدوٌّ فاتخذوه عدوًّا } يذكر هذا ، والله أعلم ، لأن ما يدعو الشيطان الخلق إليه في الظاهر يخرّج مُخرَج الشفقة والنصيحة كما يدعو الأولياء ، لأنه يدعوهم إلى قضاء شهواتهم ولذاتهم وما تهوى أنفسهم ، وإن كان يضمُر ، ويقصد به هلاكهم .

ألا ترى أنه{[17156]} كيف أظهر لآدم وحواء من الشفقة لهما{[17157]} والنصيحة حين قال : { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين } إلى قوله : { لمن الناصحين } [ الأعراف : 20 و21 ] ونحوه ؟ وكان قصده بذلك ما ذكر : { فوسوس لهما الشيطان } الآية [ الأعراف : 20 ] هذا كان يضمر ، ويقصد في دعائه إياهما إلى التناول من تلك الشجرة التي نهاهما ربهما [ عنه ]{[17158]} فعلى ذلك في ما يدعو الناس به إلى قضاء شهواتهم وحاجاتهم في الظاهر ، فهو يقصد بذلك هلاكهم لمخالفتهم المولى ما يُظهر ، ويبدي لهم .

لذلك قال : إنه عدوّ لكم ، ليس بوليٍّ { فاتخذوه عدوًّا }أي كونوا عن دعائه وأمره على حذر كما يحذر المرء دعاء عدوّه .

[ وقوله تعالى ]{[17159]} { إنما يدعوا حزبه } قال بعضهم : أهل طاعته . وقال القتبيّ وأبو عوسجة : حزبه أنصاره والحزب الأنصار . [ وقال بعضهم : جنده ]{[17160]} وقال بعضهم : حزبه وُلاته الذين يتولاهم ، ويتولّونه ، وكله واحد .

ثم بقوله : { إنما يدعوا حزبه } خصّ{[17161]} حزبه بالدعاء لهم لما أن حزبه هم{[17162]} المجيبون له والمطيعون . فأما غير حزبه فلا يجيبونه ، وهو كقوله : { إنما تنذر من اتّبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب } [ يس : 11 ] وكان ينذر من اتبع الذِّكر ومن لم يتّبع الذّكر . لكن خص بإنذاره من اتبع الذكر لما أن متّبع الذّكر ، هو المنتفع به دون من لم يتّبع . لذلك خصّه{[17163]} ، والله أعلم .

فعلى ذلك ما خص بدعائه /439-ب/ حزبه لأن حزبه هم المجيبون له والمطيعون .

وقوله تعالى : { ليكونوا من أصحاب السّعير } قصد بدعائه حزبه إلى ما يدعوهم { ليكونوا من أصحاب السّعير } وإلا لو كان أظهر لهم الدعاء إلى عذاب{[17164]} السّعير ما أجابوه ، ولا أطاعوه . ولكن دعاهم إلى أعمال توجب لهم السعير ، أو ليكون لهم عذاب السعير [ كقوله : [ ويهديه إلى عذاب السعير } [ الحج : 4 ] ]{[17165]} .


[17156]:في الأصل وم: انها.
[17157]:في الأصل وم: لهم.
[17158]:ساقطة من الأصل وم.
[17159]:من م، ساقطة من الأصل.
[17160]:من م، ساقطة من الأصل.
[17161]:أدرج قبلها في الأصل وم: لكنه.
[17162]:من م، في الأصل: هو.
[17163]:في الأصل وم: خص.
[17164]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: أصحاب.
[17165]:ساقطة من م.