الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ} (59)

قوله تعالى : ( هذا فوج مقتحم معكم ) قال ابن عباس : هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع ، قالت الخزنة للقادة : " هذا فوج " يعني الأتباع والفوج الجماعة " مقتحم معكم " أي داخل النار معكم ، فقالت السادة : " لا مرحبا بهم "

قوله تعالى : ( لا مرحبا بهم ) أي : لا اتسعت منازلهم في النار . والرحب السعة ، ومنه رحبة المسجد وغيره . وهو في مذهب الدعاء فلذلك نصب . قال النابغة :

لا مرحبا بغدٍ ولا أهلاً به *** إن كان تفريقُ الأحبة في غَدِ

قال أبو عبيدة العرب تقول : لا مرحبا بك ، أي لا رحبت عليك الأرض ولا اتسعت . " إنهم صالو النار " قيل : هو من قول القادة ، أي إنهم صالو النار كما صليناها . وقيل : هو من قول الملائكة متصل بقولهم : " هذا فوج مقتحم معكم "

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ} (59)

ولما كان مما أفهمه الكتاب في هذا الخطاب أن الطاغين الداخلين إلى جهنم أصناف كثيرة ، وكانت العادة جارية بأن الأصناف إذا اجتمعوا كانت بينهم محاورات ولا سيما إن كانوا من الطغاة العتاة ، تحرك السامع إلى تعرف ذلك فقال تعالى مستأنفاً جوابه بما يدل على تقاولهم بأقبح المقاولة وهو التخاصم الناشىء عن التباغض والتدابر الذي من شأنه أن يقع بين الذين دبروا أمراً فعاد عليهم بالوبال في أن كلاًّ منهم يحيل ما وقع به العكس على صاحبه ، وذلك أشد لعذابهم : { هذا } أي قال أطغى الطغاة لما دخلوها أولاً كما هم أهل له لأنهم ضالون مضلون ورأوا جمعاً من الأتباع داخلاً عليهم : هذا { فوج } أي جماعة كثيفة مشاة مسرعون . ولما كانوا يدخلونها من شدة ما تدفعهم الزبانية على هيئة الواثب قال مشيراً بالتعبير بالوصف مفرداً إلى أنهم في الموافقة فيه والتسابق كأنهم نفس واحدة : { مقتحم } أي رام بنفسه في الشدة بشدة فجاءة بلا روية كائناً { معكم } .

ولما كان أهل النار يؤذي بعضهم بعضاً بالشهيق والزفير والزحام والدفاع والبكاء والعويل وما يسيل من بعضهم على بعض من القيح والصديد وغير ذلك من أنواع النكد ، ولا سيما إن كانوا أتباعاً لهم في الدنيا ، فصاروا مثلهم في ذلك الدخول في الرتبة ، لا يتحاشون عن دفاعهم وخصامهم ونزاعهم ، قالوا استئنافاً : { لا مرحباً } ثم بينوا المدعو عليه فقالوا : { بهم } وهي كلمة واقعة في أتم مواقعها لأنها دالة على التضجر والبغضة مع الصدق في أهل مدلولها الذي هو مصادقة الضيق ، مفعل من الرحب مصدر ميمي وهو السعة ، أي لا كان بهم سعة أصلاً ولا اتسعت بهم هذه الأماكن ولا هذه الأزمان ولا حصلت لهم ولا بهم راحة ، ولذلك عللوا استحقاقهم لهذا الدعاء بقولهم مؤكدين لما كان استقر في نفوسهم وتطاول عليه الزمان من إنكارهم له : { إنهم صالوا النار * } أي ومن صليها صادف من الضيق ما لم يصادفه أحد وآذى كل من جاوره .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ} (59)

قوله : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ } الفوج ، الجماعة من الناس . والمقتحم من الاقتحام وهو ركوب الشدة والدخول فيها والقحمة بمعنى الشدة والسنة المجدبة . واقتحم عقبة أو وهْدة ، رمى بنفسه فيها ، وكذا تقحَّم .

ذلك إخبار من الله عن كلام رؤساء أهل النار من أكابر المجرمين والمكذبين ، يقوله بعضهم لبعض ؛ فهم في النار جميعا يتلاعنون ويتخاصمون ويكذب بعضهم بعضا .

فيقول الفوج من قادة الطغيان المتبوعين الذين تقدموا غيرهم من الطاغين الأتباع إلى النار { لا مَرْحَبًا بِهِمْ } وهذا دعاء من المتبوعين المضلين على أتباعهم الضالين ؛ أي لا رحبت بهم النار . والرحب بمعنى السعة { إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ } وهو من قول المتبوعين القادة ؛ أي أن الأتباع الذين أغويناهم كما غوينا ، صالوا النار كما صلينا .