الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَلَمۡ يَجۡعَلۡ كَيۡدَهُمۡ فِي تَضۡلِيلٖ} (2)

قوله تعالى : { ألم يجعل كيدهم في تضليل } أي في إبطال وتضييع ؛ لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشا بالقتل والسبي ، والبيت بالتخريب والهدم . فحكي عن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله على فرس له ، ينظر ما لقوا من تلك الطير ، فإذا القوم مشدخين جميعا ، فرجع يركض فرسه ، كاشفا عن فخذه ، فلما رأى ذلك أبوه قال : إن ابني هذا أفرس العرب . وما كشف عن فخذه إلا بشيرا أو نذيرا . فلما دنا من ناديهم بحيث يسمعهم الصوت ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : هلكوا جميعا . فخرج عبد المطلب وأصحابه ، فأخذوا أموالهم . وكانت أموال بني عبد المطلب منها ، وبها تكاملت رياسة عبد المطلب ؛ لأنه احتمل ما شاء من صفراء وبيضاء ، ثم خرج أهل مكة بعده ونهبوا . وقيل : إن عبد المطلب حفر حفرتين فملأهما من الذهب والجوهر ، ثم قال لأبي مسعود الثقفي -وكان خليلا لعبد المطلب - : اختر أيهما شئت ؟ ثم أصاب الناس من أموالهم حتى ضاقوا ذرعا ، فقال عبد المطلب عند ذلك :

أنت منعتَ الحُبْشَ{[16411]} والأفيالا *** وقد رعوا بمكة الأجبالا{[16412]}

وقد خشينا منهم القتالا *** وكل أمر لهم{[16413]} مِعْضَالاَ

شكرا وحمدا لك ذا الجَلاَلاَ{[16414]}

قال ابن إسحاق : ولما رد الله الحبشة عن مكة عظمت العرب قريشا ، وقالوا : هم{[16415]} : أهل الله ، قاتل الله عنهم ، وكفاهم مؤونة عدوهم . وقال عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، في قصة أصحاب الفيل :

أنت الجليلُ ربَّنَا لم تدنسِ *** أنت حبستَ الفيلَ بالمُغَمَّسِ

من بعد ما هم بشر مُبْلِس *** حبسته في هيئة المُكَرْكَسِ

وما لهم من فَرَجٍ ومنفس

والمكركس : المنكوس المطروح .


[16411]:الظاهر أنه جمع (أحبش) بوزن أحمر، وإن لم نطقوا به. قال في تاج العروس: كـأنه جمع أحبش (بوزن أحمر).
[16412]:في روح المعاني، "الأحبالا" بالحاء.
[16413]:في روح المعاني "منهم" بدل "لهم".
[16414]:كذا في نسخ الأصل وغيرها من المصادر.
[16415]:زيادة عن سيرة ابن هشام.