الأولى : قوله تعالى : { ألم تر } أي ألم تخبر . وقيل : ألم تخبر . وقيل ألم تعلم . وقال ابن عباس : ألم تسمع ؟ واللفظ استفهام ، والمعنى تقرير . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه عام ، أي ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل ، أي قد رأيتم ذلك ، وعرفتم موضع مِنَّتِي عليكم ، فما لكم لا تؤمنون ؟ و " كيف " في موضع نصب ب { فعل ربك } لا { بألم تر كيف } في معنى الاستفهام .
الثانية- { بأصحاب الفيل } الفيل معروف ، والجمع أفيال : وفيول ، وفيلة . قال ابن السكيت : ولا تقل أفيلة . والأنثى فيلة{[16376]} وصاحبه{[16377]} فيال . قال سيبوبه : يجوز أن يكون أصل فيل فُعْلاً ، فكسر من أجل الياء ، كما قالوا : أبيض وبيض . وقال الأخفش : هذا لا يكون في الواحد ، إنما يكون في الجمع . ورجل فيل الرأي ، أي ضعيف الرأي . والجمع أفيال . ورجل فال ، أي ضعيف الرأي ، مخطئ الفراسة . وقد فال الرأي يفيل فيولة ، وفيل رأيه تفييلا : أي ضعفه ، فهو فيل الرأي .
الثالثة : في قصة أصحاب الفيل ؛ وذلك أن ( أبرهة ) بنى القليس بصنعاء ، وهي كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، وكان نصرانيا ، ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب ، فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة{[16378]} ، فخرج حتى أتى الكنيسة ، فقعد فيها - أي أحدث - ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر بذلك أبرهة ، فقال : من صنع هذا ؟ فقيل : صنعه رجل من أهل هذا البيت ، الذي تحج إليه العرب بمكة ، لما سمع قولك : ( أصرف إليها حج العرب ) غضب ، فجاء فقعد فيها . أي إنها ليست لذلك بأهل . فغضب عند ذلك أبرهة ، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، وبعث رجلا كان عنده إلى بني كنانة{[16379]} يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة ، فقتلت بنو كنانة ذلك الرجل ، فزاد أبرهة ذلك غضبا وحنقا ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ، وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام . فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم ، يقال له ذو نفر ، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة ، وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخرابه ، فأجابه من أجابه إلى ذلك ، ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك لا تقتلني ، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ، فتركه من القتل ، وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما . ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك ، يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم : شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل : أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلتي خثعم : شهران وناهس ، بالسمع والطاعة ، فخلى سبيله . وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف ، فقالوا له : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك ، سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات{[16380]} - إنما تريد البيت الذي بمكة ، نحن نبعث معك من يدلك عليه ، فتجاوز عنهم . وبعثوا معه أبا رغال ، حتى أنزله المغمس{[16381]} فلما أنزله به مات أبو رغال هناك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس ، وفيه يقول الشاعر :
وأَرْجُمُ قبرَهُ في كُلِّ عامٍ *** كرجمِ الناسِ قبرَ أبِي رِغالِ
فلما نزل أبرهة بالمغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له : الأسود بن مقصود{[16382]} على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به ، فتركوا ذلك . وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له : سل عن سيد هذا البلد{[16383]} وشريفهم ، ثم قل له : إن الملك يقول : إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا لي بحرب ، فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به . فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له : عبد المطلب بن هاشم ، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ، فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك منه طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام ، أو كما قال ، فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته ، وإن يحل بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه . فقال له حناطة : فانطلق إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك ، فانطلق معه عبد المطلب ، ومعه بعض بنيه ، حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ، وكان صديقا له ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له : يا ذا نفر ، هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بيدي ملك ، ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا ، ما عندي غناء في شيء مما نزل بك ، إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي ، فسأرسل إليه ، وأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما بدا لك ، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك ، فقال : حسبي . فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له : إن عبد المطلب سيد قريش ، وصاحب عين مكة ، ويطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رؤوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ، فقال : أفعل . فكلم أنيس أبرهة ، فقال له : أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك ، يستأذن عليك ، وهو صاحب عين مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رؤوس الجبال ، فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته . قال : فأذن له أبرهة .
وكان عبد المطلب أوسم الناس ، وأعظمهم وأجملهم ، فلما رآه أبرهة أجله ، وأعظمه عن أن يجلسه تحته ، فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه . ثم قال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان ، فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي . فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك ، قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه ؟ قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه . قال : ما كان ليمتنع مني . قال : أنت وذاك ، فرد عليه إبله ، وانصرف عبد المطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف{[16384]} الجبال والشعاب ، تخوفا عليهم معرة{[16385]} الجيش . ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش ، يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :
لا هُمَّ إن العبدَ يم *** نعُ رَحْلَهُ فامنعْ حَلالَكْ{[16386]}
لا يَغْلِبَن صليبُهُمْ *** ومِحالُهُمْ عَدْواً{[16387]} مِحالَكْ
إن يدخلوا البلد الحرا *** مَ فأمرٌ ما بدا لَكْ
يقول : أي : شيء ما بدا لك ، لم تكن تفعله بنا . والحلال : جمع حل . والمحال : القوة ، وقيل : إن عبد المطلب لما أخذ بحلقة باب الكعبة قال :
يا ربِّ لا أرجُو لهم سِوَاكَا *** يا ربِّ فامنع منهم حِمَاكَا
إنَّ عدوَّ البيت من عَادَاكَا *** إنهم لن يقهروا قُوَاكَا
وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي :
لا هُمَّ أخْزِ الأسود بن مقصود *** الآخِذَ الهجمةَ فيها التقليدْ{[16388]}
بين حراء وثَبِيرٍ فالبيدْ *** يحبسها وهي أولات التَّطْرِيدْ{[16389]}
فضمها إلى طَمَاطِمٍ سُودْ *** [ قد أجمعُوا ألا يكون معبودْ{[16390]}
ويهدموا البيت الحرام المَعْمُودْ *** والمَرْوَتَيْنِ والمشاعرَ السُّودْ ]{[16391]}
أخْفِرْهُ{[16392]} يا رب وأنت محمود
قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة ، ثم انطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال ، فتحرزوا فيها ، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها . فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله ، وعبأ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ، وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن ، فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب ، حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذ بأذنه فقال له : ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام . ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل . وخرج نفيل بن حبيب يشتد ، حتى أصعد في الجبل . وضربوا الفيل ليقوم فأبى ، فضربوا في رأسه بالطبرزين{[16393]} ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن{[16394]} لهم في مراقه ، فبزغوه{[16395]} بها ليقوم ، فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ، ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ، ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك . وأرسل الله عليهم طيرا من البحر ، أمثال الخطاطيف والبلسان{[16396]} ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت . وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي جاؤوا منها ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ، ليدلهم على الطريق إلى اليمن . فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمه :
أين المفرُّ والإلهُ الطالبْ *** والأشرم{[16397]} المغلوبُ ليس الغالبْ
حمدت الله إذ أبصرتُ طيرا *** وخِفْتُ حجارة تُلْقَى علينا
فكل القوم يسأل عن نُفَيْلٍ *** كأنَّ عليَّ للحُبْشَانِ دِينَا
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك{[16398]} على كل سهل{[16399]} ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة{[16400]} ، كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمث{[16401]} قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى أنصدع صدره عن قلبه ، فيما يزعمون .
وقال الكلبي ومقاتل بن سليمان - يزيد أحدهما وينقص - : سبب الفيل ما روي أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي ، فنزلوا على ساحل البحر إلى بيعة للنصارى ، تسميها النصارى الهيكل ، فأوقدوا نارا لطعامهم وتركوها وارتحلوا ، فهبت ريح عاصف على النار فأضرمت البيعة نارا ، فاحترقت ، فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره ، فاستشاط غضبا . فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شرحبيل وأبو يكسوم الكنديون ، وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة . وكان النجاشي هو الملك ، وأبرهة صاحب الجيش ، وأبو يكسوم نديم الملك ، وقيل : وزير ، وحجر بن شرحبيل من قواده ، وقال مجاهد : أبو يكسوم هو أبرهة بن الصباح . فساروا ومعهم الفيل . قال الأكثرون : هو فيل واحد . وقال الضحاك : هي ثمانية فيلة . ونزلوا بذي المجاز ، واستاقوا سرح مكة ، وفيها إبل عبد المطلب . وأتى الراعي نذيرا ، فصعد الصفا ، فصاح : واصباحاه ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل . فخرج عبدالمطلب ، وتوجه إلى أبرهة ، وسأله في إبله . واختلف في النجاشي ، هل كان معهم ، فقال : قوم كان معهم . وقال الأكثرون : لم يكن معهم . ونظر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر ؛ فقال عبد المطلب : ( إن هذه الطير غريبة بأرضنا ، وما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية ) وإنها أشباه اليعاسيب{[16402]} . وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة ، فلما أطلت{[16403]} على القوم ألقتها عليهم ، حتى هلكوا . قال عطاء بن أبي رباج : جاءت الطير عشية ، فباتت ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم . وقال الكلبي : في مناقيرها حصى كحصى الخذف{[16404]} ، أمام كل فرقة طائر يقودها ، أحمر المنقار ، أسود الرأس ، طويل العنق . فلما جاءت عسكر القوم وتوافت ، أهالت ما في مناقيرها على من تحتها ، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه المقتول به . وقيل : كان كل حجر مكتوب : من أطاع الله نجا ، ومن عصاه غوى . ثم انصاعت{[16405]} راجعة من حيث جاءت . وقال العوفي : سألت عنها أبا سعيد الخدري ، فقال : حمام مكة منها . وقيل : كان يقع الحجر على بيضة{[16406]} أحدهم فيخرقها ، ويقع في دماغه ، ويخرق الفيل والدابة . ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه . وكان أصحاب الفيل ستين ألفا ، لم يرجع منهم إلا أميرهم ، رجع ومعه شرذمة لطيفة . فلما أخبروا بما رأوا هلكوا . وقال الواقدي : أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبرهة هو الأشرم ، سمي بذلك ؛ لأنه تفاتن{[16407]} مع أرياط ، حتى تزاحفا ، ثم اتفقا على أن يلتقيا بشخصيهما ، فمن غلب فله الأمر . فتبارزا ، وكان أرياط جسيما عظيما ، في يده حربة ، وأبرهة قصيرا حادرا{[16408]} ذا دين في النصرانية ، ومع أبرهة وزير له يقال له : عتودة ، فلما دنوا ضرب أرياط بحربته رأس أبرهة ، فوقعت على جبينه ، فشرمت عينه وأنفه وجبينه وشفته ؛ فلذلك سمي الأشرم . وحمل عتودة على أرياط فقتله . فاجتمعت الحبشة لأبرهة ، فغضب النجاشي ، وحلف ليحزن ناصية أبرهة ، ويطأن بلاده . فجز أبرهة ناصيته وملأ مزودا من تراب أرضه ، وبعث بهما إلى النجاشي ، وقال : إنما كان عبدك ، وأنا عبدك ، وأنا أقوم بأمر الحبشة ، وقد جززت ناصيتي ، وبعثت إليك بتراب أرضي ، لتطأه وتبر في يمينك ، فرضي عنه النجاشي . ثم بنى أبرهة كنيسة بصنعاء ، ليصرف إليها حج العرب ، على ما تقدم .
الرابعة : قال مقاتل : كان عام الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه بأربعين سنة . وقال الكلبي وعبيد بن عمير : كان قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وعشرين سنة . والصحيح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ولدت عام الفيل " ، وروي عنه أنه قال : " يوم الفيل " . حكاه الماوردي في التفسير له . وقال في كتاب أعلام النبوة : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ، وكان بعد الفيل بخمسين يوما . ووافق من شهور الروم العشرين من أسباط{[16409]} ، في السنة الثانية عشرة من ملك هرمز بن أنوشروان . قال : وحكى أبو جعفر الطبري أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشروان . وقد قيل : إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم ، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ، فكانت مدة حمله ثمانية أشهر كملا ، ويومين من التاسع . وقيل : إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم ، حكاه ابن شاهين{[16410]} أبو حفص ، في فضائل يوم عاشوراء له . ابن العربي : قال ابن وهب عن مالك : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ، وقال قيس بن مخرمة : ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل . وقد روى الناس عن مالك أنه قال : من مروءة الرجل ألا يخبر بسنه ؛ لأنه إن كان صغيرا استحقروه ، وإن كان كبيرا استهرموه . وهذا قول ضعيف ؛ لأن مالكا لا يخبر بسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتم سنه ، وهو من أعظم العلماء قدوة به . فلا بأس بأن يخبر الرجل بسنه كان كبيرا أو صغيرا . وقال عبد الملك بن مروان لعتاب بن أسيد : أنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : النبي صلى الله عليه وسلم أكبر منه ، وأنا أسن منه ، ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل ، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس . وقيل لبعض القضاة : كم سنك ؟ قال : سن عتاب بن أسيد حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة ، وكان سنه يومئذ دون العشرين .
الخامسة : قال علماؤنا : كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت قبله وقبل التحدي ؛ لأنها كانت توكيدا لأمره ، وتمهيدا لشأنه . ولما تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السورة ، كان بمكة عدد كثير ممن شهد تلك الوقعة ؛ ولهذا قال : { ألم تر } ولم يكن بمكة أحد إلا وقد رأى قائد الفيل وسائقه أعميين يتكففان الناس . وقالت عائشة رضي الله عنها مع حداثة سنها : لقد رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين يستطعمان الناس . وقال أبو صالح : رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة ، سودا مخططة بحمرة .