الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنۡ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلرَّوۡعُ وَجَآءَتۡهُ ٱلۡبُشۡرَىٰ يُجَٰدِلُنَا فِي قَوۡمِ لُوطٍ} (74)

قوله تعالى : " فلما ذهب عن إبراهيم الروع " أي الخوف ، يقال : ارتاع من كذا إذا خاف ، قال النابغة :

فارتاع من صوت كَلاَّب{[8795]} فباتَ له *** طوعَ الشَّوامِتِ من خوف ومن صَرَدِ

" وجاءته البشرى " أي بإسحاق ويعقوب . وقال قتادة : بشروه بأنهم إنما أتوا بالعذاب إلى قوم لوط ، وأنه لا يخاف . " يجادلنا " أي يجادل رسلنا ، وأضافه إلى نفسه ؛ لأنهم نزلوا بأمره . وهذه المجادلة رواها حميد بن هلال عن جندب عن حذيفة ، وذلك أنهم لما قالوا : " إنا مهلكو أهل هذه القرية{[8796]} " [ العنكبوت : 31 ] قال لهم : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم ؟ قالوا : لا . قال : فأربعون ؟ قالوا : لا . قال : فثلاثون ؟ قالوا : لا . قال : فعشرون ؟ قالوا : لا . قال : فإن كان فيها عشرة - أو خمسة شك حميد - قالوا : لا . قال قتادة : نحوا منه ، قال : فقال يعني إبراهيم : قوم ليس فيهم عشرة من المسلمين لا خير فيهم . وقيل إن إبراهيم قال : أرأيتم إن كان فيها رجل مسلم أتهلكونها ؟ قالوا : لا . فقال إبراهيم عند ذلك : " إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين " [ العنكبوت : 32 ] . وقال عبدالرحمن ابن سمرة : كانوا أربعمائة ألف . ابن جريج . وكان في قرى قوم لوط أربعة آلاف ألف . ومذهب الأخفش والكسائي أن " يجادلنا " في موضع " جادلنا " . قال النحاس : لما كان جواب " لما " يجب أن يكون بالماضي جعل المستقبل مكانه ، كما أن الشرط يجب أن يكون بالمستقبل فجعل الماضي مكانه . وفيه جواب آخر : أن يكون " يجادلنا " في موضع الحال ، أي أقبل يجادلنا ، وهذا قول الفراء .


[8795]:الكلاب: صاحب الكلاب. يصف الشاعر ثورا وحشيا بأنه بات من الخوف الذي أدركه، والبرد الذي أصابه مبيت سوء، ومبيته على ذلك الحال يسر أعداءه.
[8796]:راجع ج 13 ص 341 فما بعد.