الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " هذا من صفة الكافرين . و " ظالمي أنفسهم " نصب على الحال ، أي وهم ظالمون أنفسهم إذ أوردوها موارد الهلاك . " فألقوا السلم " أي الاستسلام . أي أقروا لله بالربوبية وانقادوا عند الموت وقالوا : " ما كنا نعمل من سوء " أي من شرك . فقالت لهم الملائكة : " بلى " قد كنتم تعملون الأسواء . " إن الله عليم بما كنتم تعملون " وقال عكرمة . نزلت هذه الآية بالمدينة في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا ، فأخرجتهم قريش إلى بدر كرها فقتلوا بها ؛ فقال : " الذين تتوفاهم الملائكة " بقبض أرواحهم . " ظالمي أنفسهم " في مقامهم بمكة وتركهم الهجرة . " فألقوا السلم " يعني في خروجهم معهم . وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه الصلح ، قاله الأخفش . الثاني : الاستسلام ، قاله قطرب . الثالث : الخضوع ، قاله مقاتل . " ما كنا نعمل من سوء " يعني من كفر . " بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون " يعني أن أعمالكم{[9859]} أعمال الكفار . وقيل : إن بعض المسلمين لما رأوا قلة المؤمنين رجعوا إلى المشركين ، فنزلت فيهم . وعلى القول الأول فلا يخرج كافر ولا منافق من الدنيا حتى ينقاد ويستسلم ، ويخضع ويذل ، ولا تنفعهم حينئذ توبة ولا إيمان ، كما قال : " فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا{[9860]} " [ غافر : 85 ] . وقد تقدم هذا المعنى . وتقدم في " الأنفال{[9861]} " إن الكفار يتوفون بالضرب والهوان ، وكذلك في " الأنعام " {[9862]} . وقد ذكرناه في كتاب التذكرة .


[9859]:كذا في ج و ي. وفي ا و و: أعمالهم.
[9860]:راجع ج 15 ص 335.
[9861]:راجع ج 8 ص 28.
[9862]:راجع ج 7 ص 144 وما بعدها.