الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَيَوۡمَ نُسَيِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةٗ وَحَشَرۡنَٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدٗا} (47)

قوله تعالى : " ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة " قال بعض النحويين : التقدير والباقيات الصالحات خير عند ربك يوم نسير الجبال . قال النحاس : وهذا غلط من أجل الواو وقيل : المعنى واذكر يوم نسير الجبال ، أي نزيلها من أماكنها من على وجه الأرض ، ونسيرها كما نسير السحاب ، كما قال في آية أخرى " وهي تمر مر السحاب " {[10559]} [ النمل : 88 ] . ثم تكسر فتعود إلى الأرض ، كما قال : " وبست الجبال بسا . فكانت هباء منبثا " {[10560]} [ الواقعة : 6 ] . وقرأ ابن كثير والحسن وأبو عمرو وابن عامر " ويوم تسير " بتاء مضمومة وفتح الياء . و " الجبال " رفعا على الفعل المجهول . وقرأ ابن محيصن ومجاهد " ويوم تسير الجبال " بفتح التاء مخففا من سار . " الجبال " رفعا . دليل قراءة أبي عمرو " وإذا الجبال سيرت{[10561]} " . ودليل قراءة ابن محيصن " وتسير الجبال سيرا{[10562]} " . واختار أبو عبيد القراءة الأولى " نسير " بالنون لقوله " وحشرناهم " . ومعنى " بارزة " ظاهرة ، وليس عليها ما يسترها من جبل ولا شجر ولا بنيان ، أي قد اجتثت ثمارها وقلعت جبالها ، وهدم بنيانها ، فهي بارزة ظاهرة . وعلى هذا القول أهل التفسير . وقيل : " وترى الأرض بارزة " أي برز ما فيها من الكنوز والأموات ، كما قال " وألقت ما فيها وتخلت{[10563]} " [ الانشقاق : 4 ] وقال " وأخرجت الأرض أثقالها{[10564]} " [ الزلزلة : 2 ] وهذا قول عطاء . " وحشرناهم " أي إلى الموقف . " فلم نغادر منهم أحدا " أي لم نترك ؛ يقال : غادرت كذا أي تركته . قال عنترة :

غادرتُه مُتَعَفِّراً أوصالُه *** والقومُ بينَ مُجَرَّحٍ ومُجَدَّلِ

أي تركته . والمغادرة الترك ، ومنه الغدر ، لأنه ترك الوفاء . وإنما سمي الغدير من الماء غديرا لأن الماء ذهب وتركه . ومنه غدائر المرأة لأنها تجعلها خلفها . يقول : حشرنا برهم وفاجرهم وجنهم وإنسهم .


[10559]:راجع جـ 13 ص ...
[10560]:راجع جـ 17 ص 194 فما بعد.
[10561]:راجع جـ 19 ص 225 فما بعد.
[10562]:راجع جـ 19 ص 225 فما بعد.
[10563]:راجع جـ 20 ص 147.
[10564]:راجع جـ 19 ص 267 فما بعد.