الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ} (241)

اختلف الناس في هذه الآية ، فقال أبو ثور : هي محكمة ، والمتعة لكل مطلقة ، وكذلك قال الزهري . قال الزهري{[2255]} : حتى للأمة يطلقها زوجها . وكذلك قال سعيد بن جبير : لكل مطلقة متعة وهو أحد قولي الشافعي لهذه الآية . وقال مالك : لكل مطلقه - اثنتين أو واحدة بنى بها أم لا ، سمى لها صداقا أم لا - المتعة ، إلا المطلقة قبل البناء وقد سمى لها صداقا فحسبها نصفه ، ولو لم يكن سمى لها كان لها المتعة أقل من صداق المثل أو أكثر ، وليس لهذه المتعة حد ، حكاه عنه ابن القاسم . وقال ابن القاسم في إرخاء الستور من المدونة ، قال : جعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة بهذه الآية ، ثم استثنى في الآية الأخرى التي قد فرض لها ولم يدخل بها فأخرجها من المتعة ، وزعم ابن زيد أنها نسختها . قال ابن عطية : ففر ابن القاسم من لفظ النسخ إلى لفظ الاستثناء والاستثناء لا يتجه في هذا الموضع ، بل هو نسخ محض كما قال زيد بن أسلم ، وإذا التزم ابن القاسم أن قوله : " وللمطلقات " يعم كل مطلقة لزمه القول بالنسخ ولا بد . وقال عطاء بن أبي رباح وغيره : هذه الآية في الثيبات اللواتي قد جومعن ، إذ تقدم في غير هذه الآية ذكر المتعة للواتي لم يدخل بهن ، فهذا قول بأن التي قد فرض لها قبل المسيس لم تدخل قط في العموم . فهذا يجيء على أن قوله تعالى : " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " [ البقرة : 237 ] مخصصة لهذا الصنف من النساء ، ومتى قيل : إن هذا العموم يتناولها فذلك نسخ لا تخصيص . وقال الشافعي في القول الآخر : إنه لا متعة إلا للتي طلقت قبل الدخول وليس ثم مسيس ولا فرض ؛ لأن من استحقت شيئا من المهر لم تحتج في حقها إلى المتعة . وقول الله عز وجل في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم : " فتعالين أمتعكن " {[2256]} [ الأحزاب : 28 ] محمول على أنه تطوع من النبي صلى الله عليه وسلم ، لا وجوب له . وقوله : " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن " [ الأحزاب : 49 ] محمول على غير المفروضة أيضا . قال الشافعي : والمفروض لها المهر إذا طلقت قبل المسيس لا متعة لها ؛ لأنها أخذت نصف المهر من غير جريان وطء ، والمدخول بها إذا طلقت فلها المتعة ؛ لأن المهر يقع في مقابلة الوطء والمتعة بسبب الابتذال بالعقد . وأوجب الشافعي المتعة للمختلعة والمبارئة . وقال أصحاب مالك : كيف يكون للمفتدية متعة وهي تعطي ، فكيف تأخذ متاعا لا متعة لمختارة الفراق من مختلعة أو مفتدية أو مبارئة أو مصالحة أو ملاعنة أو معتقة تختار الفراق ، دخل بها أم لا ، سمى لها صداقا أم لا ، وقد مضى هذا مبينا{[2257]} .


[2255]:-في هـ.
[2256]:- راجع جـ14 ص 170 و ص 202.
[2257]:- راجع ص 20 من هذا الجزء.