الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ} (14)

قوله تعالى : " قاتلوهم " أمر . " يعذبهم الله " جوابه . وهو جزم بمعنى المجازاة . والتقدير : إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين . " ويذهب غيظ قلوبهم " دليل على أن غيظهم كان قد اشتد . وقال مجاهد : يعني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكله عطف ، ويجوز فيه كله الرفع على القطع من الأول . ويجوز النصب على إضمار ( أن ) وهو الصرف عند الكوفيين ، كما قال :

فإن يهلك أبو قابوس يهلك *** ربيعُ الناس والشهر الحرام

ونأخذ بعده بذِنَابِ عيش *** أجبّ الظهر ليس له سَنَام{[7876]}

وإن شئت رفعت ( ونأخذ ) وإن شئت نصبته . والمراد بقوله : " ويشف صدور قوم مؤمنين " بنو خزاعة ، على ما ذكرنا عن مجاهد . فإن قريشا أعانت بني بكر عليهم ، وكانت خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم . فأنشد رجل من بني بكر هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له بعض خزاعة : لئن أعدته لأكسرن فمك ، فأعاده فكسر فاه ، وثار بينهم قتال ، فقتلوا من الخزاعيين أقواما ، فخرج عمرو بن سالم الخزاعي في نفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره به ، فدخل منزل ميمونة وقال : ( اسكبوا إلي ماء ) فجعل يغتسل وهو يقول : ( لا نصرت إن لم أنصر بني كعب{[7877]} ) . ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجهز والخروج إلى مكة فكان الفتح .


[7876]:الذناب (بكسر الذال) : عقب كل شيء ومؤخر والأجب: الجمل المقطوع السنام. والبيتان للنابغة الذبياني. وصف مرض النعمان بن المنذر، وأنه إن هلك صار الناس بعده في أسوأ حال وأضيق عيش وتمسكوا منه بمثل ذنب بعير أجب. وفي البيت شاهد آخر. راجع خزانة الأدب للبغدادي في الشاهد السادس والخمسين بعد السبعمائة وشواهد سيبويه ج 1 ص 100 طبع بولاق.
[7877]:بنو كعب في خزاعة وهم قوم عمرو