لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ} (14)

قوله سبحانه وتعالى : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم } يريد بالتعذيب القتل يعني يقتلهم الله بأيديكم .

فإن قلت : كيف الجمع بين قوله يعذبهم الله بأيديكم وبين قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ؟ قلت : المراد بقوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم عذاب الاستئصال يعني وما كان ليستأصلهم بالعذاب جميعاً وأنت فيهم والمراد بقوله : قاتلوهم ، يعني الذين نقضوا العهد وبدءوا بالقتال فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بقتال من قاتلهم أو نقض عهدهم .

والفرق بين العذابين ، أن عذاب الاستئصال يتعدى إلى المذنب وغير المذنب وإلى المخالف والموافق ، وعذاب القتل لا يتعدى إلا إلى المذنب المخالف قوله تعالى : { ويخزهم } يعني ويذلهم بالقهر والأسر وينزل بهم الذل والهوان { وينصركم عليهم } يعني بأن يظفركم بهم { ويشف صدور قوم مؤمنين } يعني ويبرئ داء قلوبهم مما كانوا ينالونه من الأذى منهم ومن المعلوم أن من طال تأذيه من خصمه ثم مكنه الله منه فإنه يفرح بذلك ويعظم سروره ويصير ذلك سبباً لقوة اليقين وثبات العزيمة . قال مجاهد والسدي : أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعانت قريش بني بكر على خزاعة حتى قتلوا منهم ثم شفى الله صدور خزاعة من بني بكر حتى أخذوا ثأرهم منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .