فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ} (14)

ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم } ورتب على هذا الأمر فوائد :

الأولى : تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر .

والثانية : إخزاؤهم قيل بالأسر وقيل بما نزل بهم من الذل والهوان .

والثالثة : نصر المسلمين عليهم وغلبتهم لهم .

والرابعة : أن الله يشفي بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن لم يشهد القتال ولا حضره .

والخامسة : أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر .

فإن قيل شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون تكرارا .

قيل في الجواب : إن القلب أخص من الصدر ، وقيل : إن شفاء الصدور إشارة إلى الوعد بالفتح ، ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيه شفاء للصدور ، وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح ، وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها .

عن عكرمة قال : نزلت هذه الآية في خزاعة ، وعن مجاهد والسدي وقتادة نحو ، وقد ساق القصة ابن إسحاق في سيرته وأورد فيها النظم الذي أرسلته خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوله .

يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا

وأخرج القصة البيهيقي في الدلائل ثم قال : { ويتوب الله على من يشاء } وهو ابتداء كلام مستأنف يتضمن الإخبار بما سيكون ، وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم كأبي سفيان وعكرمة وسهيل ابن عمرو ، فهؤلاء كانوا أئمة الكفر ثم منّ الله عليهم بالإسلام يوم فتح مكة .

فإن قيل{[876]} كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة ؟ أجيب بأن القتال قد يكون سببا لها إذا كانت من جهة الكفار ، وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سببا لخلوص النية والتوبة عن الذنوب . { والله عليم حكيم } .


[876]:- قوله فإن قيل الخ كذا في أصله ولعله مرتب على قراءة نصب يتوب كما يؤخذ من عبارة الكشاف. ا هـ. مصححه.