السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ} (14)

ولما وبخهم الله تعالى على ترك القتال جدّد له الأمر به بقوله تعالى :

{ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم } أي : بالقتل والأسر واغتنام الأموال .

فإن قيل : قد قال الله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } ( الأنفال ، 33 )

فكيف قال تعالى هنا : { يعذبهم الله بأيديكم } ؟ أجيب : بأن المراد بالعذاب في الآية الأولى عذاب الاستئصال ، وبهذه الآية القتل والأسر . والفرق : أنّ عذاب الاستئصال قد يتعدّى إلى غير المذنب ، وإنه في حقه لمزيد الثواب وعذاب القتل مقصور على المذنب وهذا كالتصريح بأنّ هذا الفعل وما عطف عليه فعله تعالى وإن كان جارياً على أيدي العباد كسباً لا يرد على ذلك أنه لا يقال يعذب الله المؤمنين بأيدي الكافرين ؛ لأنّ ذلك إنما امتنع لشناعة العبارة كما لا يقال : يا خالق القاذورات والأبوال والعذرات وإن كان هو الخالق لها . { ويخزهم } أي : بالذل والفضيحة في الدنيا والعذاب في الآخرة { وينصركم عليهم } أي : يمكنكم من قتلهم وإذلالهم { ويشف صدور قوم مؤمنين } أي : طائفة من المؤمنين وهم خزاعة . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديداً فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه فقال : أبشروا فإن الفرج قريب .