سورة   التوبة
 
الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ} (14)

وقوله سبحانه : { قاتلوهم يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ } [ التوبة : 14 ] .

قرّرت الآياتُ قبلها أفعالَ الكَفَرة ، ثم حضَّ على القتال مقترناً بذنوبهم ؛ لتنبعث الحميَّة مع ذلك ، ثم جزم الأمْرَ بقتالِهِمْ في هذه الآيةَ مقترناً بوَعْدٍ وكِيدٍ يتضمَّن النصْرَ عَلَيْهِم ، والظَّفَرَ بهم .

وقوله سبحانه : { يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ } ، معناه : بالقتل والأسر ، و{ وَيُخْزِهِمْ } ، معناه : يذلَّهم علَى ذنوبهم ، يقال : خَزِيَ الرجُلُ يَخْزَى خَزْياً ، إِذا ذَلَّ من حيثُ وَقَعَ في عَارٍ ، وأَخْزَاهُ غيره ، وخزي يخزى خزاية إذا استحيى ، وأما قوله تعالى : { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } ، فيحتمل أنْ يريد جماعةَ المؤمنين ، لأن كلَّ ما يهدي من الكُفْرِ هو شفاءٌ مِنْ هَمِّ صدور المؤمنين ، ويحتمل أنْ يريد تخصيصَ قومٍ من المؤمنين ، وروي أنهم خُزَاعَةْ ؛ قاله مجاهدٌ والسُّدِّيُّ ، ووجْه تخصيصهم أنهم الذين نُقِضَ فيهم العهدُ ، ونالتهم الحربُ ، وكان يومئذٍ في خُزَاعَةَ مؤمنين كثير ؛ ويقتضي ذلك قولُ الخزاعيِّ المستَنْصِرِ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم : [ الرجز ]

ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا ***

وفي آخر الرجز :

وَقَتَّلُونَا رُكَّعاً وَسُجَّدَا ***

وقرأ جمهور الناس : و{ يَتُوبُ } [ التوبة : 15 ] بالرفع على القطْع مما قبله ، والمعنَى أن الآية استأنفت الخبر بأنه قد يَتُوبُ على بعض هؤلاء الكَفَرة الذين أَمَرَ بقتالهم .