البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ} (14)

شفاه : أزال سقمه .

{ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم } قررت الآيات قبل هذا أفعال الكفرة المقتضية لقتالهم ، والحض على القتال ، وحرم الأمر بالقتال في هذه ، وتعذيبهم بأيدي المؤمنين هو في الدنيا بالقتل والأسر والنهب ، وهذه وعود ثبتت قلوبهم وصححت نياتهم ، وخزيهم هو إهانتهم وذلهم ، وينصركم يظفركم بهم ، وشفاه الصدور بإعلاء دين الله وتعذيب الكفار وخزيهم .

وقرأ زيد بن علي : ونشف بالنون على الالتفات ، وجاء التركيب صدور قوم مؤمنين ليشمل المخاطبين وكل مؤمن ، لأن ما يصيب أهل الكفر من العذاب والخزي هو شفاء لصدر كل مؤمن .

وقيل : المراد قوم معينون .

قال ابن عباس : هم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا ، فلقوا من أهلها أذى شديداً ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه فقال : « أبشروا فإن الفرج قريب » وقال مجاهد والسدي : هم خزاعة .

ووجه تخصيصهم أنهم هم الذين نقض فيهم العهد ونالتهم الحرب ، وكان يومئذ في خزاعة مؤمنون كثير .

ألا ترى إلى قول الخزاعي المستنصر بالنبي صلى الله عليه وسلم :

ثمت أسلمنا قلم ننزع يداً *** وفي آخر الرجز :

وقتلونا ركعا وسجداً *** وإذهاب الغيظ بما نال الكفار من المكروه ، وهذه الجملة كالتأكيد للتي قبلها ، لأنّ شفاء الصدر من آلة الغيظ هو إذهاب الغيظ .

وقرأ فرقة : ويذهب فعلاً لازماً غيظ فاعل به .

وقرأ زيد بن علي : كذلك إلا أنه رفع الباء .

وهذه المواعيد كلها وجدت ، فكان ذلك دليلاً على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته وبدىء أولاً فيها بما تسبب عن النصر وهو تعذيب الله الكفار وبأيدي المؤمنين وإخزاؤهم ، إذا كانت البداءة بما ينال الكفار من الشر هي التي يسر بها المؤمنون ، ثم ذكر ما السبب وهو نصر الله المؤمنين على الكافرين ، ثم ذكر ما تسبب أيضاً عن النصر من شفاء صدور المؤمنين