ثم وعد لهم النصرة ، فقال تعالى : { قاتلوهم يُعَذّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ } ، يعني : بالقتل والهزيمة ، { وَيُخْزِهِمْ } ؛ يعني : ويذلهم بالهزيمة ، { وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } ؛ يعني : على قريش ، { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } ؛ يعني : ويفرح قلوب بني خزاعة . وفي الآية دلالة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الله تعالى قد وعد المؤمنين على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب الكفار بأيديهم ويخزهم وينصركم ، فأنجز وعده ولم يظهر خلاف ما وعد لهم .
قال الفقيه : حدثنا أبي قال : حدثنا أحمد بن يحيى السمرقندي قال : حدثنا محمد بن الحسن الجوباري قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عكرمة قال : لما واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة ، وقد كانت بنو خزاعة حُلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية ، وكانت بنو بكر حلفاء قريش ؛ فدخلت بنو خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في صلح قريش ؛ ثم كان بين بني بكر وبين بني خزاعة فقال : فأمدت قريش بني بكر بسلاح وطعام وظلوا عليهم ؛ ثم إن قريشاً خافوا أن يكونوا قد نقضوا العهد وغدروا ، فقالوا لأبي سفيان : اذهب إلى محمد وجدد العهد ، فليس في قوم أطعموا قوماً ما يكون فيه نقض العهد ، يعني : الذي أطعم الطعام لا ينقض عليه العهد .
فانطلق أبو سفيان في ذلك ، فلما قصد أبو سفيان المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قَدْ جَاءَكُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَسَيَرْجِعُ رَاضِياً بِغَيْرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ » . فلما قدم أبو سفيان المدينة ، أتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، جدد الحلف وأصلح بين الناس ؛ فقال له أبو بكر : الأمر إلى الله وإلى رسوله . ثم أتى عمر فقال له نحو ما قال لأبي بكر ، فقال له عمر : نقضتم ؟ فما كان منه جديداً فأبلاه الله ، وما كان منه متيناً أو شديداً فقطعه الله تعالى . فقال له أبو سفيان : ما رأيت كاليوم شاهد عشيرة مثلك ، يعني : شاهداً على هلاك قومه .
ثم أتى فاطمة رضي الله عنها فقال لها : يا فاطمة ، هل لك في أمر تسودين فيه نساء قريش ؟ ثم قال لها نحو ما قال لأبي بكر وعمر ، فقالت : الأمر إلى الله وإلى رسوله . ثم أتى علياً فذكر له نحواً من ذلك ، فقال له عليّ : ما رأيت كاليوم رجلاً أضل منك أنت سيد الناس ، فجدِّد وأصلح بين الناس .
فضرب أبو سفيان يمينه على يساره وقال : أجرت الناس بعضهم من بعض ثم رجع إلى قومه ، فأخبرهم بما صنع فقالوا : ما رأينا كاليوم وافد قوم ، والله يا أبا سفيان ما جئنا بصلح فنأمن ولا بحرب ؛ فقدم وافد بني خزاعة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما صنع القوم ودعاه إلى النصرة ، فقال في ذلك شعراً :
اللَّهُمَّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدا . . . حلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا
إنَّ قُرَيْشاً أَخْلَفُوكَ المَوْعِدَا . . . وَنَقَضُوا ميثَاقَكَ المُؤَكَّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُو أَحَدَا . . . وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدا
وَهُمْ أَتُونَا بِالوَتِينِ هجدَا . . . نَتْلُو الكِتَابَ رُكَّعاً وَسُجَّدَا
ثَمَّةَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزعْ بُدَّا . . . فَانْصُرْ رَسُولَ الله نَصْراً أَعْتَدَا
وَابْعَثْ جُنُودَ الله تَأْتِي مَدَدَا . . . فِيهِمْ رَسُولُ الله قَدْ تَجَرَّدَا
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل وروي في خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « والله ، لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشاً وَالله لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشاً » . وقال : « والله لا نُصِرْتُ ، إِنْ لَمْ أَنْصُرْكُمْ » . فخرج إلى مكة ومعه عشرة آلاف رجل ، ثم رجعنا إلى حديث عكرمة قال : فتجهزوا . وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، حتى نزلوا برمال الظهران ، فخرج أبو سفيان من مكة ، فرأى النيران والعسكر فقال : ما هذه ؟ فقيل : هؤلاء بنو تميم . فقال : والله هؤلاء أكثر من أهل منًى . فلما علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تنكَّر وأقبل يقول : دلوني على العباس ؛ فأتاه فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أدخله عليه ، فقال له : رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يَا أَبَا سُفْيَانَ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ » . فقال : كيف أصنع بالَّلات والعزى ؟
قال حماد بن زيد : حدثني أبو الخليل ، عن سعيد بن جبير أن عمر رضي الله عنه قال وهو خارج من القبة ، وفي عنقه السيف : أخر عليهما ؛ أما والله لو كنت خارجاً عن القبة ما سألت عنهما أبداً ، قال : من هذا ؟ فقالوا : عمر بن الخطاب . فأسلم أبو سفيان ، فانطلق به العباس إلى منزله ؛ فلما أصبح ، رأى الناس قد تحركوا للوضوء والصلاة ، فقال أبو سفيان للعباس : يا أبا الفضل أو أمروا فيَّ بشيء ؟ قال : لا ، ولكنهم قاموا إلى الصلاة فتوضأ . ثم انطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة قاموا ، فلما كبر كبروا ، فلما ركع ركعوا ، فلما سجد سجدوا . فقال أبو سفيان : يا أبا الفضل ، ما رأيت كاليوم طاعة قوم ، لا فارس الأكارم ، ولا الروم ذات القرون .
قال حماد بن زيد ، فزعم يزيد بن حازم ، عن عكرمة أنه قال : يا أبا الفضل ، أصبح ابن أخيك عظيم الملك ، فقال له العباس : إنه ليس بملك ولكنه نبوة . قال : هو ذاك . وقال حماد : قال أيوب ثم قال : واصباح قريش وقال العباس : يا رسول الله ، لو أذنت لي فأتيتهم ودعوتهم ، وأمنتهم وجعلت لأبي سفيان شيئاً يذكر به . قال : « فَافْعَلْ » فركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل مكة فنادى : يا أهل مكة أسلموا تسلموا ، فقد استبطأتم بأشهب باذل ؛ قد جاءكم الزبير من أعلى مكة ، وجاء خالد من أسفل مكة . وخالد وما خالد والزبير وما الزبير . ثم قال : من أسلم فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر عليهم ، فآمن الناس جميعاً إلا بني بكر من خزاعة ، فقاتلتهم خزاعة إلى نصف النهار ، فأنزل الله تعالى : { قاتلوهم يُعَذّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } وهم خزاعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.