لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} (67)

قوله جلّ ذكره : { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذِ بَعْضُهُمْ لِبَعضٍ عَدُوٌ إِلاَّ المُتَّقِينَ } .

ما كان لغير ِ اللَّهِ فمآلُه إلا الضياع . والأخلاءُ الذين اصطحبوا عَلَى مقتضى الهوى بعضهم لبعض عدو ؛ يتبرَّأ بعضُهم من بعضَ ، فلا ينفع أحدٌ أحداً .

وأمَّا الأخلاءُ في الله فيشفع بعضهم في بعض ، ويتكلم بعضهم في شأن بعض ، أولئك هم المتقون الذين استثناهم الله بقوله : { إِلاَّ الْمُتَقِينَ } .

وشرط الخلَّة في الله ؛ ألا يستعمل بعضُهم بعضاً في الأمور الدنيوية ، ولا يرتفق بعضهم ببعضٍ ؛ حتى تكونَ الصحبةُ خالصةً لله لا لنصيبٍ في الدنيا ، ويكون قبولُ بعضهم بعض لأَجْلِ الله ، ولا تجري بينهم مُداهَنَةٌ ، وبقَدْرِ ما يرى أحدُهم في صاحبه من قبولٍ لطريقِ اللَّهِ يقبله ؛ فإنْ عَلِمَ منه شيئاً لا يرضاه اللَّهُ لا يَرْضَى ذلك من صاحبه ، فإذا عاد إلى تركه عاد هذا إلى مودته ، وإلا فلا ينبغي أن يُساعدَه عَلَى معصيته ، كما ينبغي أن يتقيه بقلبه ، وأَلا يسكنَ إليه لغرضٍ دنيوي أو لطمعٍ أو لِعِوَض .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} (67)

قوله : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } ذكر أن هذه الآية نزلت في أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط ، فقد كانا خليلين وهما من رؤوس الطغاة والمجرمين . وكان عقبة يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فقالت قريش : قد صبأ عقبة بن أبي معيط ، فقال له أمية : وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا ولم تتفل في وجهه ، ففعل عقبة ذلك ، فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتله فقتله يوم بدر صبرا{[4150]} وقتل أمية في المعركة . والصحيح أن الآية عامة في سائر الأخلاء الظالمين المتحابين في الدنيا ، فإنهم يوم تأتيهم الساعة ينقلب بعضهم لبعض عدوا . أي يعادي بعضهم بعضا .

وهو قوله : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو } الأخلاء جمع خل وخليل وهو الصديق من المخالة ، والخلة بالضم والفتح وهي الصداقة{[4151]} فهم يوم القيامة متنافرون ، إذ يكره بعضهم بعضا ، ويلعن بعضهم بعضا بعد أن كانوا في الدنيا متحابين تجمع بينهم علائق شتى من أمور الدنيا ومصالحها وغير ذلك من قضايا الشر والظلم والباطل والإيذاء ، فضلا عما كان يجمع بينهم من شديد المكائد والمؤامرات للإسلام والمسلمين ، فإن اشتداد الكراهية والأحقاد المحتقنة في قلوب الظالمين على اختلاف مللهم وعقائدهم ومذاهبهم تدفعهم للتلاقي بينهم ليكونوا أخلاء متحدين من أجل التصدي للإسلام والمسلمين ، والكيد لهم . أولئك المتحابون في الدنيا ، المجتمعون على العدوان والكيد للإسلام والمسلمين لإضعافهم وإذلالهم وإبادتهم ، إنما ينقلبون يوم القيامة متباعضين متلاعبين بعد أن انقطعت بينهم أسباب المودة والتلاقي ، واشتغل كل واحد منهم بنفسه ، ووجدوا ما كان يجعلهم أخلاء ، أسبابا لهلاكهم وخسرانهم فصار بعضهم لبعض عدوا { إلا المتقين } فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة ، لأن ما كان يجمعهم في الدنيا من أسباب الخير وعلائق الدين والعقيدة لم ينقطع يوم القيامة . بل بقيت خلّتهم على حالها من ثبات التوثيق ومتانة الرباط .


[4150]:قتله صبرا: حبسه حتى مات. أو أوثقه ليقتل. انظر المعجم الوسيط جـ 1 ص 506 والمصباح المنير جـ 1 ص 355.
[4151]:المصباح المنير جـ 1 ص 194 والقاموس المحيط جـ 3 ص 381.