في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الغاشية مكية وآياتها ست وعشرون

هذه السورة واحدة من الإيقاعات العميقة الهادئة . الباعثة إلى التأمل والتدبر ، وإلى الرجاء والتطلع ، وإلى المخافة والتوجس ، وإلى عمل الحساب ليوم الحساب !

وهي تطوف بالقلب البشري في مجالين هائلين : مجال الآخرة وعالمها الواسع ، ومشاهدها المؤثرة . ومجال الوجود العريض المكشوف للنظر ، وآيات الله المبثوثة في خلائقه المعروضة للجميع . ثم تذكرهم بعد هاتين الجولتين الهائلتين بحساب الآخرة ، وسيطرة الله ، وحتمية الرجوع إليه في نهاية المطاف . . كل ذلك في أسلوب عميق الإيقاع ، هادئ ، ولكنه نافذ . رصين ولكنه رهيب !

( هل أتاك حديث الغاشية ? ) . .

بهذا المقطع تبدأ السورة التي تريد لترد القلوب إلى الله ، ولتذكرهم بآياته في الوجود ، وحسابه في الآخرة وجزائه الأكيد . وبهذا الإستفهام الموحي بالعظمة الدال على التقدير ؛ الذي يشير في الوقت ذاته إلى أن أمر الآخرة مما سبق به التقرير والتذكير . وتسمى القيامة هذا الإسم الجديد : ( الغاشية ) . . أي الداهية التي تغشى الناس وتغمرهم بأهوالها . وهو من الأسماء الجديدة الموحية التي وردت في هذا الجزء . . الطامة . . الصاخة . . الغاشية . . القارعة . . مما يناسب طبيعة هذا الجزء المعهودة .

وهذا الخطاب : هل أتاك . . ? كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يحس وقع توجيهه إلى شخصه ، حيثما سمع هذه السورة ، وكأنما يتلقاه أول أمر مباشرة من ربه ، لشدة حساسية قلبه بخطاب الله - سبحانه - واستحضاره لحقيقة الخطاب ، وشعوره بأنه صادر إليه بلا وسيط حيثما سمعته أذناه . . قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا أبو بكر بن عباس ، عن أبي إسحاق ، عن عمر بن ميمون ، قال : مر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] على امرأة تقرأ : ( هل أتاك حديث الغاشية ? )فقام يستمع ويقول : " نعم قد جاءني " . .

والخطاب - مع ذلك - عام لكل من يسمع هذا القرآن . فحديث الغاشية هو حديث هذا القرآن المتكرر . يذكر به وينذر ويبشر ؛ ويستجيش به في الضمائر الحساسية والخشية والتقوى والتوجس ؛ كما يثير به الرجاء والارتقاب والتطلع . ومن ثم يستحيي هذه الضمائر فلا تموت ولا تغفل .

( هل أتاك حديث الغاشية ? ) . . ثم يعرض شيئا من حديث الغاشية :

( وجوه يومئذ خاشعة . عاملة ناصبة . تصلى نارا حامية . تسقى من عين آنية . ليس لهم طعام إلا من ضريع . لا يسمن ولا يغني من جوع ) . .

إنه يعجل بمشهد العذاب قبل مشهد النعيم ؛ فهو أقرب إلى جو( الغاشية )وظلها . .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الغاشية

مكية بلا خلاف وعدة آياتها ست وعشرون كذلك وكان صلى الله تعالى عليه وسلم كما أخرج مسلم داود والنسائي وابن ماجه عن النعمان بن بشير يقرؤها في الجمعة مع سورتها

ولما أشار سبحانه فيما قبل إلى المؤمن والكافر والجنة والنار إجمالا بسط الكلام ههنا فقال عز قائلا : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية } قيل هل بمعنى قد وقد ظاهر كلام قطرب حيث قال أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية والمختار أنه للاستفهام وهو استفهام أريد به التعجيب مما في حيزه والتشويق إلى استماع والإشعار بأنه من الأحاديث البديعة التي حقها أن تتناقلها الرواة ويتنافس في تلقنها الوعاة وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تقرأ { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية } فقام عليه الصلاة والسلام يستمع ويقول نعم قد جاءني والغاشية القيامة كما قال سفيان والجمهور وأطلق عليها ذلك لأنها تغشى الناس بشدائدها وتكتنفهم بأهوالها وقال محمد بن كعب وابن جبير هي النار من قوله تعالى : { وتغشى وُجُوهَهُمْ النار } وقوله سبحانه : { وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [ إبراهيم : 50 ] [ الأعراف : 41 ] وليس بذاك فان ما سيرى من حديثها ليس مختصاً بالنار وأهلها بل ناطق بأحوال أهل الجنة أيضاً .