في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفجر مكية . . وآياتها ثلاثون

هذه السورة في عمومها حلقة من حلقات هذا الجزء في الهتاف بالقلب البشري إلى الإيمان والتقوى واليقظة والتدبر . . ولكنها تتضمن ألوانا شتى من الجولات والإيقاعات والظلال . ألوانا متنوعة تؤلف من تفرقها وتناسقها لحنا واحدا متعدد النغمات موحد الإيقاع !

في بعض مشاهدها جمال هادئ رفيق ندي السمات والإيقاعات ، كهذا المطلع الندي بمشاهده الكونية الرقيقة ، وبظل العبادة والصلاة في ثنايا تلك المشاهد . . " والفجر . وليال عشر . والشفع والوتر . والليل إذا يسر " . . .

وفي بعض مشاهدها شد وقصف . سواء مناظرها أو موسيقاها كهذا المشهد العنيف المخيف : " كلا . إذا دكت الأرض دكا دكا . وجاء ربك والملك صفا صفا . وجيء يومئذ بجهنم . يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى . يقول : يا ليتني قدمت لحياتي . فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد " . .

وفي بعض مشاهدها نداوة ورقة ورضى يفيض وطمأنينة . تتناسق فيها المناظر والأنغام ، كهذا الختام : " يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " . .

وفيها إشارات سريعة لمصارع الغابرين المتجبرين ، وإيقاعها بين بين . بين إيقاع القصص الرخي وإيقاع المصرع القوي : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد . إرم ذات العماد . التي لم يخلق مثلها في البلاد . وثمود الذين جابوا الصخر بالواد . وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد . فصب عليهم ربك سوط عذاب . إن ربك لبالمرصاد " .

وفيها بيان لتصورات الإنسان غير الإيمانية وقيمه غير الإيمانية . وهي ذات لون خاص في السورة تعبيرا وإيقاعا : " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول : ربي أكرمن . وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول : ربي أهانن " . . .

ثم الرد على هذه التصورات ببيان حقيقة حالهم التي تنبع منها هذه التصورات . وهي تشمل لونين من ألوان العبارة والتنغيم : " كلا . بل لا تكرمون اليتيم . ولا تحاضون على طعام المسكين . وتأكلون التراث أكلا لما ، وتحبون المال حبا جما " . .

ويلاحظ أن هذا اللون الأخير هو قنطرة بين تقرير حالهم وما ينتظرهم في مآلهم . فقد جاء بعده : " كلا إذا دكت الأرض دكا دكا " . . الخ . . فهو وسط في شدة التنغيم بين التقرير الأول والتهديد الأخير !

ومن هذا الاستعراض السريع تبدو الألوان المتعددة في مشاهد السورة . وإيقاعاتها في تعبيرها وفي تنغيمها . . كما يبدو تعدد نظام الفواصل وتغير حروف القوافي . بحسب تنوع المعاني والمشاهد . فالسورة من هذا الجانب نموذج واف لهذا الأفق من التناسق الجمالي في التعبير القرآني . فوق ما فيها عموما من جمال ملحوظ مأنوس !

فأما أغراض السورة الموضوعية التي يحملها هذا التعبير المتناسق الجميل . فنعرضها فيما يلي بالتفصيل :

" والفجر وليال عشر . والشفع والوتر . والليل إذا يسر . هل في ذلك قسم لذي حجر ؟ " . .

هذا القسم في مطلع السورة يضم هذه المشاهد والخلائق . ذات الأرواح اللطيفة المأنوسة الشفيقة : " والفجر " . . ساعة تنفس الحياة في يسر ، وفرح ، وابتسام ، وإيناس ودود ندي ، والوجود الغافي يستيقظ رويدا رويدا ، وكأن أنفاسه مناجاة ، وكأن تفتحه ابتهال !

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفجر

مكية في قول الجمهور وقال علي بن أبي طلحة مدنية وآيها اثنتان وثلاثون آية في الحجازي وثلاثون في الكوفي والشامي وتسع وعشرون في البصري ولما ذكر سبحانه فيما قبلها وجوه يومئذ خاشعة ووجوه يومئذ ناعمة أتبعه تعالى بذكر الطوائف المكذبين من المتجبرين الذين وجوههم خاشعة وأشار جل شأنه إلى الصنف الآخر الذين وجوههم ناعمة بقوله سبحانه فيها يا أيتها النفس المطمئنة وأيضا فيها ما يتعلق بأمر الغاشية ما فيها وقال الجلال السيوطي لم يظهر لي في وجه ارتباطها سوى أن أولها كالأقسام على صحة ما ختم به السورة التي قبلها أو على ما بضمنته من الوعد والوعيد هذا مع أن جملة ألم تر كيف فعل ربك مشابهة لجملة أفلا ينظرون وها كما ترى

{ والفجر } أقسم سبحانه بالفجر كما أقسم عز وجل بالصبح في قوله تعالى { والصبح إذا تنفس } [ التكوير : 18 ] فالمراد به الفجر المعروف كما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وابن الزبير وغيرهم رضي الله تعالى عنهم وقيل المراد عموده وضوءه الممتد واصله شق الشيء شقاً واسعاً وسمى الصبح فجراً لكونه فاجر الليل وهو كاذب لا يتعلق به حكم الصوم والصلاة وصادق به يتعلق حكمهما وقد تكلموا في سبب كل بما يطول وتقدم بعض منه ولعل المراد به هنا الصادق فهو أحرى بالقسم به والمراد عند كثير جنس الفجر لا فجر يوم مخصوص وعن ابن عباس ومجاهد فجر يوم النحر وعن عكرمة فجر يوم الجمعة وعن الضحاك فجر ذي الحجة وعن مقاتل فجر ليلة جمع وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في «الشعب » عن ابن عباس أنه قال هو فجر المحرم فجر السنة وروي نحوه عن قتادة وعن الحبر أيضاً أنه النهار كله وأخرج ابن جرير عنه أيضاً أنه قال يعني صلاة الفجر وروي نحوه عن زيد بن أسلم فهو إما على تقدير مضاف أو على إطلاقه على الصلاة مجازاً وهو شائع وقيل المراد فجر العيون من الصخور وغيرها .