اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي ثلاثون آية ، ومائة وتسع وثلاثون كلمة ، وخمسمائة وسبعة وتسعون حرفا .

قوله تعالى : { والفجر } ، قيل : جواب القسم مذكور ، وهو قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد } [ الفجر : 14 ] ، قاله ابن الأنباري .

وقيل : محذوف ، لدلالة المعنى عليه ، أي : ليجازي كل واحد بما عمل ، بدليل ما فعل بالقرون الخالية .

وقدَّره الزمخشريُّ{[60037]} : ليُعذبنَّ ، قال : يدل عليه قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ } إلى قوله «فصبَّ » .

وقدره أبو حيَّان{[60038]} : بما دلت عليه خاتمة السورة قبله ، أي : لإيابهم إلينا وحسابهم علينا .

وقال مقاتل : «هل » هنا : في موضع «إنَّ » تقديره : «إنَّ في ذلك قسماً لذي حجر ، ف «هل » هذا في موضع جواب القسم . انتهى .

وهذا قول باطل ؛ لأنه لا يصلح أن يكون مقسماً عليه تقدير تسليم أنَّ التركيب هكذا ، وإنما ذكرناه للتنبيه على سقوطه .

وقيل : ثم مضاف محذوف ، أي : صلاة الفجر ، أو ربِّ الفجر .

والعامة : على عدم التنوين في : «الفَجْرِ ، والوَتْرِ ، ويَسْرِ » .

وأبو الدينار{[60039]} الأعرابي : بتنوين الثلاثة .

قال ابن خالويه : هذا ما روي عن بعض العرب أنه يقف على آخر القوافي : بالتنوين ، وإن كان فعلاً ، وإن كان فيه الألف واللام ؛ قال الشاعر : [ الوافر ]

5189- أقِلِّي اللَّوْمَ عَاذلَ والعِتابَنْ *** وقُولِي إنْ أصَبْتُ لَقدْ أصَابَنْ{[60040]}

يعني : هذا تنوين الترنُّم ، وهو أن العربي إذا أراد ترك الترنُّم - وهو : مدّ الصوت - نوَّن الكلمة ، وإنما يكن في الروي المطلق .

وقد عاب بعضهم النحويين تنوين الترنم ، وقال : بل ينبغي أن يسموه بتنوين تركه ، ولهذا التنوين قسيم آخر ، يسمى : التنوين الغالي وهو ما يلحقُ الرويَّ المقيد ؛ كقوله : [ الرجز ]

***خَاوِي المُختَرَقْنْ{[60041]} ***

على أن بعض العروضيين أنكروا وجوده ، ولهذين التنوينين أحكام مخالفة لحكم التنوين مذكورة في علم النحو .

والحاصل : أن هذا القارئ أجرى الفواصل مجرى القوافي ، وله نظائر منها : «الرَّسُولا ، والسَّبِيلا ، والظُّنُونَا » في الأحزاب 10 و 66 و 67 و«المتعال » في الرعد{[60042]} و«عَشْرٍ » هنا .

قال الزمخشري{[60043]} : فإن قيل : فما بالها منكرة من بين ما أقسم به ؟ قلت : لأنها ليال مخصوصة من نفس جنس الليالي العشر بعض منها ، أو مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها ، فإن قلت : فهلا عرفت بلام العهد ؛ لأنها ليال معلومة معهودة ؟ .

قلت : لو فعل ذلك لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير ؛ ولأن الأحسن أن تكون الكلمات متجانسة ، ليكون الكلام أبعد من الإلغاز والتَّعميَة .

يعني بتجانس اللامات ، أن تكون كلها إمَّا للجنس ، وإما للعهد والغرض الظاهر أن اللامات في : «الفجر » وما معه ، للجنس ، فلو جيء بالليالي معرفة بلام العهد لفات التجانس .

أقسم سبحانه : بالفجر ، وليال عشر ، والشفع والوتر ، والليل إذا يسر : أقسام خمسة .

واختلف في «الفجرِ » ، فقال عليٌّ وابنُ الزُّبيرِ وابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهم - : «الفَجْر » هنا : انفجار الظلمة عن النهار من كل يوم{[60044]} .

قال ابنُ الخطيب{[60045]} : أقسم تعالى بما يحصل فيه ، من حصول النور ، وانتشار الناس ، وسائر الحيوان في طلب الأرزاق ، وذلك مشاكل لنشور الموتى ، وفيه عبرة لمن تأمل ، كقوله تعالى : { والصبح إِذَا تَنَفَّسَ } [ التكوير : 18 ] ، ومدح بكونه خالقاً ، فقال سبحانه : { فَالِقُ الإصباح } [ الأنعام : 96 ] .

وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنه : النهار كله ، وعبر عنه بالفجر ؛ لأنه أوله{[60046]} .

وروى ابن محيصن عن عطيَّة عن ابن عبَّاسٍ : يعني : فجر المحرم{[60047]} .

قال قتادةُ : هو فجر أول يوم من المحرم{[60048]} منه تنفجر السنة ، وعنه أيضاً : صلاة الصبح .

وروى ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس قال : يريد صبيحة يوم النحر ؛ لأن الله تعالى جعل لكل يوم ليلة قبله إلا يوم النحر لم يجعل له ليلة قبله ولا ليلة بعده ؛ لأن يوم عرفة له ليلتان ليلة قبله وليلة بعده ، فمن أدرك الموقف الليلة التي بعد عرفة فقد أدرك الحج إلى طلوع فجر يوم النحر ، وهذا قول مجاهد .

وقال عكرمة : «والفجر » قال : انشقاق الفجر من يوم الجمعة .

وعن محمد بن كعب القرظي : «والفجر » قال : آخر أيام العشر إذا رفعت أو دفعت من جمع .

وقال الضحاك : فجر ذي الحجة ؛ لأن الله تعالى قرن به الأيام ، فقال تعالى : { وَلَيالٍ عَشْرٍ } أي ليال عشر من ذي الحجة .

وقيل : هي العيون التي تنفجر منها المياه .


[60037]:ينظر: الكشاف 4/747.
[60038]:البحر المحيط 8/464.
[60039]:ينظر: البحر المحيط 8/462، والدر المصون 517.
[60040]:البيت لجرير ينظر ديوانه ص 813، وخزانة الأدب 1/69، 338، 3/151، والخصائص 2/96، والدرر 5/176، 6/233، 309، وشرح أبيات سيبويه 2/349، وسر صناعة الإعراب ص 471، 479، 480، 493، 503، 513، 677، 726، وشرح الأشموني 1/12، وشرح شواهد المغني 2/762، وشرح المفصل 9/29، والكتاب 4/205، 208، والمقاصد النحوية 1/91، وهمع الهوامع 2/80، 212، والإنصاف ص 655، وجواهر الأدب ص 139، 141، وأضح المسالك 1/16، وخزانة الأدب 7/432، 11/374، ورصف المباني ص 29. 353، وشرح ابن عقيل ص 17، وشرح عمدة الحافظ ص 98، واللسان (خنا)، والمنصف 1/224، 2/79، ونوادر أبي زيد ص 127.
[60041]:البيت لرؤية بن العجاج وتمامه: *** وقاتم الأعماق خاوي المخترقن *** ينظر ديوانه ص 104، وابن يعيش 2/118، 9/29، 34، والهمع 2/80، 36 والضرائر ص 17 والأشموني 1/32.
[60042]:آية 9.
[60043]:ينظر الكشاف 4/746.
[60044]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/558) والحاكم (2/522) عن ابن عباس. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/577) وزاد نسبته إلى الفريابي وابن أبي حاتم والبيهقي في "شعب الإيمان".
[60045]:ينظر: الفخر الرازي 12/147.
[60046]:في أ: ظهور.
[60047]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/558).
[60048]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/27).