ذلك كله حين يحين الموعد الذي يستعجلون . . فأما لو تركوا في الأرض ، وعمروا طويلاً وأمهلهم الوعد المرسوم بعض حين ؛ فإنهم صائرون إلى شر يحمدون معه التعجيل . . إنهم صائرون إلى شيخوخة وهرم ، ثم إلى خرف ونكسة في الشعور والتفكير :
( ومن نعمره ننكسه في الخلق . أفلا يعقلون ) . .
والشيخوخة نكسة إلى الطفولة . بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة ! وما يزال الشيخ يتراجع ، وينسى ما علم ، وتضعف أعصابه ، ويضعف فكره ، ويضعف احتماله ، حتى يرتد طفلاً . ولكن الطفل محبوب اللثغة ، تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة . والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة ، وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز . وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون !
فهذه العاقبة كتلك تنتظر المكذبين ، الذين لا يكرمهم الله بالإيمان الراشد الكريم . .
قوله تعالى : { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ( 68 ) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ ( 69 ) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } .
{ نُنَكِّسْهُ } من التنكيس وهو القلب . أو جعل الشيء أعلاه أسفله . نكسه ، أي قلبه على رأسه . ويقرأ القرآن منكوسا : أي يبتدئ به منن آخره ويختم بالفاتحة ، أو من آخر السورة فيقرأها إلى أولها مقلوبا{[3925]}
ذلك بيان من الله عن بالغ إرادته وعظيم قدرته في الخلق ، وهو هنا تنكيس المعمَّر ، وهو قلبه وجعله على عكس ما خلقه أولا ؛ وذلك أن الله – عز وعلا – خلق الإنسان ضعيفا في الجسد خُلوا من العقل والفهم والعلم . ثم جعله يمر في أطوار وينتقل من حال إلى حال حتى يبلغ أشده ويستكمل قوته من بسطة الجسم والعقل ثم يأخذ في تنكيسه في الخلق فيأخذ في التناقص والضعف شيئا فشيئا حتى يعود إلى حال شبيهة بحاله في الصبا من حيث الضعف في الجسد وهوان العقل وبساطة الفهم .
إن ذلك كله دليل ظاهر على أن الله – جلا وعلا – هو القوي المقتدر وأنه الصانع الحكيم الذي يفعل ما يشاء . وهو قوله : { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ } أي من نطلْ عمره { نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ } يعني نقلبه فلا يزاد ضعفه في تزايد ، وقواه في انتقاص حتى يُفْضي إلى الهرم الشديد ثم الموت المحتوم .
قوله : { أَفَلا يَعْقِلُونَ } أفلا يتدبرون هذه الظاهرة ليعلموا أن الله قادر على كل شيء ، وأنهم مخلوقون للحياة الآخرة وهي دار القرار والبقاء عقب رحيلهم عن هذه الدار وهي دار الزوال والفناء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.