في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ} (6)

5

فهذا ما حاك في نفوس فريق من المسلمين يومئذ ، وما كرهوا من أجله القتال ، حتى ليقول عنهم القرآن الكريم : ( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) . . وذلك بعد ما تبين الحق ، وعلموا أن الله وعدهم إحدى الطائفتين وأنه لم يبق لهم خيار بعدما أفلتت إحدى الطائفتين وهي - العير - وأن عليهم أن يلقوا الطائفة الأخرى ، وقد قدر الله لهم لقاءها وقدر أنها ستكون لهم . كانت ما كانت . كانت العير أو كانت النفير . كانت الضعيفة التي لا شوكة لها أم كانت القوية ذات الشوكة والمنعة .

وإنها لحال تتكشف فيها النفس البشرية أمام الخطر المباشر ؛ ويتجلى فيها أثر المواجهة الواقعية - على الرغم من الاعتقاد القلبي - والصورة التي يرسمها القرآن هنا جديرة بأن تجعلنا نتواضع في تقديرنا لمتطلبات الاعتقاد في مواجهة الواقع ؛ فلا نغفل طاقة النفس البشرية وذبذباتها عند المواجهة ؛ ولا نيئس من أنفسنا ولا من النفس البشرية جملة حين نراها تهتز في مواجهة الخطر - على الرغم من طمأنينة القلب بالعقيدة - فحسب هذه النفس أن تثبت بعد ذلك وتمضي في الطريق ، وتواجه الخطر فعلاً ، وتنتصر على الهزة الأولى ! . . لقد كان هؤلاء هم أهل بدر ، الذين قال فيهم رسول الله [ ص ] : " وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر اطلاعة ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم " . . وهذا يكفي . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ} (6)

جملة { يجادلونك } حال من { فريقاً } فالضمير لفريق باعتبار معناه لأنه يدل على جمع . وصيغة المضارع لحكاية حال المجادلة زيادة في التعجيب منها ، وهذا التعجيب كالذي في قوله تعالى : { يجادلنا } من قوله : { فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يُجادلنا في قوم لوط } [ هود : 74 ] إذ قال { يجادلنا } ولم يقل « جادلنا » .

وقوله : { بعْدَ ما تبيّنَ } لوم لهم على المجادلة في الخروج الخاص ، وهو الخروج للنفير وترك العير ، بعد أن تبين أي ظهر أن الله قدر لهم النصر ، وهذا التبيّن هو بيّنٌ في ذاته سواء شعر به كلهم أو بعضهم فإنه بحيث لا ينبغي الاختلاف فيه ، فإنهم كانوا عَرَباً أذكياء ، وكانوا مؤمنين أصفياء ، وقد أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله ناصرهم على إحدى الطائفتين : طائفة العير أو طائفة النفير ، فنصرهم إذن مضمون ، ثم أخبرهم بأن العير قد أخطأتهم ، وقد بقي النفير ، فكان بيّناً أنهم إذا لقوا النفير ينصرهم الله عليه ، ثم رأوا كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لمّا اختاروا العير ، فكان ذلك كافياً في اليقين بأنهم إذا لقوا المشركين ينتصرون عليهم لا محالة ، ولكنهم فضلوا غنيمة العير على خضد شوكة أعدائهم ونهوضِ شوكتهم بنصر بدر ، فذلك معنى تبيّن الحق أي رجحان دليله في ذاته ، ومَن خفي عليه هذا التبيّن من المؤمنين لم يعذره الله في خفائِه عليه .

ومن هذه الآية يؤخذ حكم مؤاخذة المجتهد إذا قصّر في فهم ما هو مدلول لأهل النظر ، وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الذي سأله عن ضالة الإبل بعدَ أن سأله عن ضالة الغنم فأجابه هي لكَ أو لأخيك أو للذئب . فلما سأله بعد ذلك عن ضالّة الإبل تَمَعّر وجهه وقال « مالَكَ ولها معها حذاؤها وسقاؤها تَشرب الماءَ وترعَى الشجرَ حتى يلقاها ربها » وروى مالك ، في « الموطأ » ، أن أبا هريرة مرّ بقومٍ محرمين فاستفتوه في لَحْم صيد وجدوا أناساً أحلة يأكلونه فأفتاهم بالأكل منه ثم قدم المدينة فسأل عُمر بن الخطاب عن ذلك فقال له عمر بمَ أفتيتَهم قال : أفتيتهم بأكله فقال : « لو أفتيتهم بغير ذلك لأوْجَعْتُك » .

وجملة : { كأنما يساقون إلى الموت } في موضع الحال من الضمير المرفوع في { يجادلونك } أي حالتهم في وقت مجادلتهم إياك تشبه حالتهم لو ساقهم سائق إلى الموت ، والمراد بالموت الحالة المضادة للحياة وهو معنى تكرهه نفوس البشر ، ويصوره كل عقل بما يتخيله من الفظاعة والبشاعة كما تصوره أبو ذؤيب في صورة سَبُع في قوله :

وإذا المنية أنشبت أظفارها

وكما تخيل ، تأبط شراً الموت طامعا في اغتياله فنجا منه حين حاصره أعداؤه في جحر في جبل :

فَخَالطَ سَهْلَ الأرض لم يكدح الصفا *** به كَدْحةً والموتُ خزيانُ يَنظر

فقوله تعالى : { كأنما يساقون إلى الموت } تشبيه لحالهم ، في حين المجادلة في اللحاق بالمشركين ، بحال من يجادل ويمانع من يسوقه إلى ذات الموت .

وهذا التفسير أليق بالتشبيه لتحصل المخالفة المطلقة بين الحالة المشبهة والحالة المشبه بها ، وإلا فإن أمرهم بقتال العدو الكثير العَدد ، وهم في قلة ، إرْجاء بهم إلى الموت إلا أنه موت مظنون ، وبهذا التفسير يظهر حسن موقع جملة : { وهم ينظرون } أما المفسرون فتأولوا الموت في الآية بأنه الموت المتيقن فيكون التخالف بين المشبه والمشبه به تخالفاً بالتقييد .

وجملة : { وهم ينظرون } حال من ضمير { يساقون } ومفعول { ينظرون } محذوف دل عليه قوله : { إلى الموت } أي : وهم ينظرون الموتَ ، لأن حالة الخوف من الشيء المخوف إذا كان منظوراً إليه تكون أشد منها لو كان يعلم أنه يساق إليه ولا يَراه ، لأن للحس من التأثير على الإدراك ما ليس لمجرد التعقل ، وقريب من هذا المعنى قول جعفر بن عُلْبَةَ :

يَرى غمراتِ الموت ثم يزورها

وفي عكسه في المسرة قوله تعالى : { وأغرقنا آل فرعون وأنتُم تنظرون } [ البقرة : 50 ]

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ} (6)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في الذين عنُوا بقوله: "يُجادِلُونَكَ فِي الحَقّ بَعْدَما تَبَيّنَ"؛

فقال بعضهم: عُني بذلك: أهل الإيمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه حين توجه إلى بدر للقاء المشركين... عن ابن إسحاق، قال: ثم ذكر القوم، يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين عرف القوم أن قريشا قد سارت إليهم، وأنهم إنما خرجوا يريدون العير طمعا في الغنيمة، فقال: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقّ "إلى قوله: "لَكارِهُونَ "أي كراهية للقاء القوم، وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم.

وقال آخرون: عُني بذلك المشركون... والصواب من القول في ذلك... أن ذلك خبر من الله عن فريق من المؤمنين أنهم كرهوا لقاء العدوّ، وكان جدالهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن قالوا: لم يعلمنا أنا نلقى العدوّ فنستعدّ لقتالهم، وإنما خرجنا للعير. ومما يدلّ على صحة قوله: "وَإذْ يَعِدكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنّها لَكُم وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوكَةِ تَكُونُ لَكُمْ" ففي ذلك الدليل الواضح لمن فهم عن الله أن القوم قد كانوا للشوكة كارهين وأن جدالهم كان في القتال كما قال مجاهد، كراهية منهم له... لأن الذي قبل قوله: "يُجادِلُونَكَ في الحَقّ" خبر عن أهل الإيمان، والذي يتلوه خبر عنهم، فأن يكون خبرا عنهم أولى منه بأن يكون خبرا عمن لم يجر له ذكر.

وأما قوله: "بَعْدَما تَبَيّنَ" فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله؛

فقال بعضهم: معناه: بعدما تبين لهم أنك لا تفعل إلاّ ما أمرك الله...

وقال آخرون: معناه يجادلونك في القتال بعدما أمرت به...

وأما قوله "كأنّما يُساقُونَ إلى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ" فإن معناه: كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدوّ من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلى لقائهم للقتال يساقون إلى الموت... كراهة للقاء القوم، وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والحق الذي جادلوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقى النفير، لإيثارهم عليه تلقي العير {بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} بعد إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ينصرون. وجدالهم: قولهم ما كان خروجنا إلا للعير، وهلا قلت لنا لنستعد ونتأهب؟ وذلك لكراهتهم القتال. ثم شبه حالهم في فرط فزعهم ورعبهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة، بحال من يعتل إلى القتل ويساق على الصغار إلى الموت المتيقن، وهو مشاهد لأسبابه، ناظر إليها لا يشك فيها. وقيل: كان خوفهم لقلة العدد، وأنهم كانوا رجالة. وروي أنه ما كان فيهم إلا فارسان...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم ذكر دليل كراهتهم فقال: {يجادلونك} أي يكررون ذلك إرادة أن يفتلوك عن اللقاء للجيش إلى الرجوع عنه. ولما كان لقاء الجيش امراً قد حتمه الله فلا بد من وقوعه مع أنه يرضيه، قال: {في الحق} أي الذي هو إيثار الجهاد {بعد ما تبين} أي وضح وضوحاً عظيماً سهلاً من غير كلفة نظر بقرائن الأحوال بفوات العير وتيسير أمر النفير وبإعلام الرسول صلى الله عليه وسلم لهم تارة صريحاً وتارة تلويحاً كقوله "والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم، هذا مصرع فلان وذلك مصرع فلان". و لما كان سبحانه قد حكم باللقاء والنصرة تأييداً لوليه وإعلاء لكلمته مع شدة كراهتهم لذلك، شبه سوقه لهم إلى مراده. فقال بانياً للمفعول لأن المكروه إليهم السوق لا كونه من معين: {كأنما يساقون} أي يسوقهم سائق لا قدرة لهم على ممانعته {إلى الموت وهم ينظرون} لأنها كانت أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيها لقاء، وكانوا غير متأهبين للقتال غاية التأهب، إنما خرجوا للقاء العير، هذا مع أنهم عدد يسير، وعدد أهل النفير كثير، وكانوا في غاية الهيبة للقائهم والرعب من قتالهم، وكل هذا تذكير لهم بأنه لم ينصرهم إلا الله بلا صنع منهم، بل كانوا في يد قدرته كالآلة في يد أحدهم، لينتج ذلك أنه ليس لهم أن ينازعوا في الأنفال.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{يجادلونك في الحق بعدما تبين} قال بعض العلماء إن هذه الآية نزلت في مجادلة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدين والتوحيد. وهي بهم أليق، ولكن ما قبلها وما بعدها في بيان حال المؤمنين وما كان من هفوات بعضهم التي محصهم الله بعدها فتعين كونها فيهم وفاقا لأبي جعفر ابن جرير فيه وفي رد ذلك القول ومشايعة ابن كثير له، وذكر أن مجاهدا فسر الحق هنا بالقتال وكذا ابن إسحاق وعلل الجدال فيه بقوله: كراهية للقاء المشركين وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم. وبيان ذلك أن المسلمين كانوا في حال ضعف فكان من حكمة الله تعالى أن وعدهم الله أولا إحدى طائفتي قريش تكون لهم على الإبهام فتعلقت آمالهم بطائفة العير القادمة من الشام لأنها كسب عظيم لا مشقة في إحرازه لضعف حاميته، فلما ظهر أنها فاتتهم وأن طائفة النفير خرجت من مكة بكل ما كان عند قريش من قوة وقربت منهم وتعين عليهم قتالها إذ تبين أنها هي الطائفة التي وعدهم الله تعالى إذ لم يبق غيرها، صعب على بعضهم لقاؤها على قلتهم وكثرتها، وضعفهم وقوتها، وعدم استعدادهم للقتال كاستعدادها، وطفقوا يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم اعتذارات جدلية بأنهم لم يخرجوا إلا للعير لأنه لم يذكر لهم قتالا فيستعدوا له، كأنهم يحاولون إثبات أن مراد الله تعالى بإحدى الطائفتين العير بدليل عدم أمرهم بالاستعداد للقتال، ولكن الحق تبين بحيث لم يبق للجدال فيه وجه ما- لا بأن يقال إن طائفة العير مراد الله تعالى فإنها نجت وذهبت من طريق سيف البحر ولو كانت هي المرادة لما نجت، ولا بأن يقال إننا لم نعدّ للقتال عدته فلا يمكننا طلب الطائفة الأخرى- فإنه مهما تكن حالها فلا بد من الظفر بها لوعد الله تعالى فلم يبق لجدالهم وجه إلا الجبن والخوف من القتال ولذلك قال: {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} أي كأنهم من فرط جزعهم ورعبهم يساقون إلى الموت سوقا لا مهرب منه لظهور أسبابه حتى كأنهم ينظرون إليه بأعينهم، وهي ما ذكرنا من التفاوت بين حالهم وحال المشركين في العدد والعدد والخيل والزاد، ولكن الله تعالى وعد رسوله والمؤمنين الظفر بهم، وهذا دليل قطعي لا يتخلف عند المؤمن الموقن، وما تلك إلا أسباب عادية كثيرة التخلف، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وهكذا أنجز الله وعده وكان الظفر التام للمؤمنين. وقد بين تعالى ذلك كله بقوله: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم}

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فهذا ما حاك في نفوس فريق من المسلمين يومئذ، وما كرهوا من أجله القتال، حتى ليقول عنهم القرآن الكريم: (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون).. وذلك بعد ما تبين الحق، وعلموا أن الله وعدهم إحدى الطائفتين وأنه لم يبق لهم خيار بعدما أفلتت إحدى الطائفتين وهي -العير- وأن عليهم أن يلقوا الطائفة الأخرى، وقد قدر الله لهم لقاءها وقدر أنها ستكون لهم. كانت ما كانت. كانت العير أو كانت النفير. كانت الضعيفة التي لا شوكة لها أم كانت القوية ذات الشوكة والمنعة. وإنها لحال تتكشف فيها النفس البشرية أمام الخطر المباشر؛ ويتجلى فيها أثر المواجهة الواقعية -على الرغم من الاعتقاد القلبي- والصورة التي يرسمها القرآن هنا جديرة بأن تجعلنا نتواضع في تقديرنا لمتطلبات الاعتقاد في مواجهة الواقع؛ فلا نغفل طاقة النفس البشرية وذبذباتها عند المواجهة؛ ولا نيئس من أنفسنا ولا من النفس البشرية جملة حين نراها تهتز في مواجهة الخطر -على الرغم من طمأنينة القلب بالعقيدة- فحسب هذه النفس أن تثبت بعد ذلك وتمضي في الطريق، وتواجه الخطر فعلاً، وتنتصر على الهزة الأولى!.. لقد كان هؤلاء هم أهل بدر، الذين قال فيهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:"وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر اطلاعة، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم".. وهذا يكفي..

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

المنطق إذن يفرض أن الله عز وجل مادام قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين، طائفة في عير والأخرى في نفير، كان المنطق يفرض إقبال المؤمنين على مواجهة الطائفة القوية؛ لأن النصر على النفير هو أشرف من النصر على طائفة العير. {يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}. ونلحظ أن هناك "سوق"، وهناك "قيادة"، والقيادة تعني أن تكون من الأمام لتدل الناس على الطريق، و "السوْق" يكون من الخلف لتحث المتقدم أن يقصر المسافة مع تقصير الزمن، فبدلا من أن نقطع المسافة في ساعة – على سبيل المثال-فنقطعها في نصف ساعة. وقوله تعالى: {يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} (من الآية 6 من سورة الأنفال) أي أنهم غير منجزين للسير، بل هم مدفوعون إليه دفعا، وهم ينظرون بشاعة الموت، لأنهم تصوروا أن مواجهتهم لألف فتى من مقاتلي قريش مسألة صعبة، فألف أمام ثلاثمائة مسألة ليست هينة، لأن ذلك سيفرض على كل مسلم أن يواجه ثلاثة معهم العدة والعتاد، فكأن الصورة التي تمثلت لهم صورة بشعة، لكنهم حينما نظروا هذه النظرة لم يلتفتوا إلى أن معهم ربّا ينصرهم على هؤلاء جميعا.