غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ} (6)

1

ثم بين الكراهة بقوله { يجادلونك } ويجوز أن تكون الجملة بدلاً أو خبراً بعد خبر . روي أن قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ومعهم أربعون راكباً - منهم أبو سفيان وعمر بن العاص وعمرو بن هشام - فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم ، فلما خرجوا بلغ أهل مكة خبر خروجهم فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول ، عيركم ، أموالكم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبداً . وقد رأت أخت العباس ابن عبد المطلب رؤيا فقالت لأخيها : إني رأيت عجباً رأيت كأن ملكاً نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل فرمى بها فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا أصابه حجر من تلك الصخرة . فحدث بها العباس فقال أبو جهل : ما يرضى رجالهم أن يتنبأوا حتى تتنبأ نساؤهم . فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير على ما قيل السائر : «لا في العير ولا في النفير » فقيل له : إن العير أخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس إلى مكة فقال : لا والله لا يكون ذلك أبداً حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ونقيم القينات والمعازف ببدر فيتسامع جميع العرب بمخرجنا وأن محمداً لم يصب العير . فمضى بهم إلى بدر ونزل جبرائيل فقال : يا محمد إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال : ما تقولون إن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحب إليكم أم النفير ؟ قالوا : بل العير أحب إلينا من لقاء العدوّ . فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردّ عليهم فقال : إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودع العدوّ . فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر فأحسنا أي الكلام ، ثم قام سعد بن عبادة فقال : انظر فامض فوالله لو سرت إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار . ثم قال : المقداد بن عمرو : يا رسول الله امض لما أمرك الله فإنا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } [ المائدة : 24 ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت عين تطرف . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : «أشيروا عليّ أيها الناس » . وهو يريد الأنصار لأنهم قالوا له حين بايعوه على العقبة إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف أن يكون الأنصار لا ترى عليهم نصرته إلا على عدوّ دهمه بالمدينة . فقام سعد بن معاذ فقال : لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل . قال : قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أدرت فواللذي بعثك بالحق نبياً لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا ، إنا بالصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك بنا ما تقرُّ به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه قول سعد ثم قال : «سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم » . ولنرجع إلى التفسير . قوله { في الحق } أي في تلقي النفير بعد ما تبين أي بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم هم المنصورون وجدالهم قولهم ما كان خروجنا إلا للعير . وهلا قلت لنا لنستعد ونتأهب وذلك لكراهتهم القتال { كأنما يساقون إلى الموت } المتيقن لمشاهدة أسبابه من قلة العدد والعدد . روي أنه ما كان منهم إلا فارسان . وانتصب بإضمار «اذكر » .

/خ10