قوله تعالى : { يجادلونك فِي الحق } ؛ وكان هذا بعد خروجه إلى بدر ، وكانت غزوة بدر في السنة الثانية من مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة . وفي تلك السنة ، حولت القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام ، وكانت غزوة بدر في شهر رمضان ، وكانت قصته أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن عير قريش خرجت من الشام ، فيهم أبو سفيان بن حرب ومخرمة بن نوفل في أربعين رجلاً من تجار قريش ، ويقال أكثر من ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : « هذه عِيرُ أبي سفيان قَدْ أَقْبَلَتْ ، فَاخْرُجُوا إلَيْهَا ، فَلَعَلَّ الله أنْ يُنَفِّلَكُمُوهَا ، وَتَتَقَوُّوا بِهَا عَلَى عَدُوِّكُمْ » . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من جهينة ، حليفين من الأنصار بأن ينظرا ويأتيا بخبر العير ، فخرجا وأتيا وادي الصفراء ، وهي منزل على طريق الشام ، فقالا لأهل الصفراء : هل أحسستم من أحد ؟ قالوا : لا . فخرجا فمرا بجاريتين متلازمتين ، فقالت إحداهما للأخرى : اقضيني درهماً لي عليك . فقالت : لا والله ما عندي اليوم ، ولكن عير قريش نزلت بموضع كذا ، يقدمون غداً فأعمل لهم ، وأقضيك درهمك . فسمع الرجلان ما قالت الجاريتان فرجعا . فجاء أبو سفيان بن حرب حين أمسى الصفراء ، فقال لأهل الصفراء : هل أحسستم من أحد ؟ قالوا : لا إلاَّ رجلين نزلا عند هذا الكثيب ، ثم ركبا . فرجع أبو سفيان إلى ذلك الموضع ، فرأى هناك بعر الإبل فأخذ بعرة ففتها ، فوجد فيها النوى فقال : علائق أهل يثرب واللات والعزى ؛ فأرسل من الطريق ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة ، يخبرهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد اعترض لعيركم فأدركوها .
وكانت عاتكة بنت عبد المطلب ، رأت قبل أن يقدم ضمضم بن عمرو بثلاثة أيام في منامها ، كأنّ راكباً أقبل على بعير أورق ومعه راية سوداء ، فدخل المسجد الحرام ، ثم نادى بأعلى صوته : يا آل فلان ويا آل فلان ، انفروا إلى مصارعكم إلى ثلاث ، ثم ارتقى على أبي قبيس ونادى ثلاث مرات . ثم قلع صخرة من أبي قبيس فرماها على أهل مكة ، فتكسرت فلم يبق أحد من قريش إلا أصابته فلقة منها . فلما أصبحت ، قصت رؤياها على أخيها العباس وقالت : إني اخاف أن يصيب قومك سوء .
فاغتم العباس لما سمع منها ، وذكر العباس ذلك للوليد بن عتبة ، وكان صديقاً له ، فذكر الوليد ذلك لأبيه عتبة بن ربيعة ، فذكر ذلك عتبة لأبي جهل بن هشام . وفشا ذلك الحديث في قريش ، فخرج العباس إلى المسجد وقد اجتمع فيه صناديد قريش يتحدثون عن رؤيا عاتكة ، فقال أبو جهل : يا أبا الفضل ، متى حدثت فيكم هذه النبية ؟ أما رضيتم أن قلتم : منا نبي ، حتى قلتم : منا نبية ؟ فوالله لننتظرن بكم ثلاثاً ، فإن جاء تأويل رؤياها ؛ وإلا كتبنا عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب . فقال له العباس : يا كذاب ، يا مصفر الاست ، بالله أنت أولى بالكذب واللؤم منا . فلما كان اليوم الثالث ، جاء ضمضم ، وقد شق قميصه ، وجزع أذن ناقته ، وجعل التراب على رأسه ، وهو ينادي : يا معشر قريش ، الغوث الغوث ، أدركوا عيركم ، فقد عرض لها أهل محمد . فاجتمعوا وخرجوا ، وهم كارهون مشفقون من رؤيا عاتكة ، ومعهم القينات والدفوف بطراً ورياء ؛ كما قال الله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن ديارهم بَطَراً وَرِئَآءَ الناس وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [ الأنفال : 47 ] . وكل يوم يطعمهم واحد من أغنيائهم . وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وأمر أصحابه بالخروج ، فخرج معه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار ، وخرجوا على نواضحهم ليس لهم ظهر غيرها ، ومعهم ثلاثة أفراس ويقال فرسان ، فخرجوا بغير قوت ولا سلاح ، لا يرون أنه يكون ثمة قتال . فلما نزلوا بالروحاء ، نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بخروج المشركين من مكة إلى عيرهم ، وقال : يا محمد ، إن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين ، إما العير وإما العسكر . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بخروج المشركين من مكة إلى عيرهم ، فشقّ ذلك على بعضهم ، وقالوا : يا رسول الله ، هلا كنت أخبرتنا أنه يكون ثمَّ قتال فنخرج معنا سلاحنا وقوسنا ، إنما خرجنا نريد العير ، والعير كانت أهون شوكة وأعظم غنيمة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : « أَشِيرُوا عَلَيَّ » . فكان أبو بكر وعمر يشيران عليه بالمسير ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « أَشِيرُوا عَلَيَّ » . وكان يحب أن يتكلم الأنصار ، فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله امض حيث شئت ، وأقم حيث شئت . فوالله لئن أمرتنا أن نخوض البحر لنخوضنه ، ولا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : { قَالُواْ ياموسى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هاهنا قاعدون } [ المائدة : 24 ] ، ولكن نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا ، ونحن معكما متَّبعون ، فنزل : { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ } ، يعني القتال { يجادلونك فِي الحق } ، يخاصمونك في الحرب .
{ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } ، يعني بعد ما تبيَّن لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ } ، يعني ينظرون إلى القتل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.