الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ} (6)

وقوله : { يجادلونك في الحق }[ 6 ] ، الآية .

قال ابن عباس : لما شاور{[26834]} النبي صلى الله عليه وسلم ، في لقاء القوم ، قال له سعد بن عبادة{[26835]} ما قال ، وذلك يوم بدر ، أمر الناس فتعبّوا{[26836]} للقتال ، وأمرهم بالشوكة ، فكره ذلك أهل الإيمان ، فأنزل الله عز وجل : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } ، إلى{[26837]} : { وهم ينظرون }[ 5 ، 6 ]{[26838]} .

قال ابن إسحاق{[26839]} : خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يريدون العير طمعا بالغنيمة ، فلما عرفوا أن قريشا قد سارت إليهم ، كرهوا ذلك ، وكأنهم يساقون إلى الموت ؛ لأنهم لم{[26840]} يخرجوا للقتال . فالذي عُني بهذا هم{[26841]} المؤمنون فأنزل الله عز وجل : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } إلى : { وهم ينظرون }{[26842]} .

وقال ابن زيد : عني بذلك المشركون ، قال : هم المشركون جادلوا في الحق ، { كأنما يساقون إلى الموت } حين يدعون إلى الإسلام ، { وهم ينظرون }{[26843]} .

قال الطبري : المراد بذلك المؤمنون . ودل{[26844]} عليه قوله : { وإن فريقا من المومنين لكارهون } ، لما كرهوا القتال جادلوا فقالوا : لم تعلمنا أنا{[26845]} نلقى العدو فنستعد لقتالهم ، إنما{[26846]} خرجنا للعير . ويدل على ذلك قوله : { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } ، ففي هذا دليل أن القوم كانوا للشوكة كارهين ، وأن جدالهم في القتال ، [ كما ]{[26847]} قال مجاهد{[26848]} ، كراهية منهم له{[26849]} .

وروي عن ابن عباس : { يجادلونك في الحق } ، أي : في القتال ، { بعدما تبين } ، أي : بعد ما أمرت به{[26850]} .


[26834]:في المخطوطتين: شاوره وهو تحريف، وصوابه من مصادر التوثيق أسفله، هامش 5.
[26835]:سلف التعليق عليه قريبا 499.
[26836]:في "ر": فتهيئوا.
[26837]:إلى: وهم ينظرون، غير واضحة في الأصل بفعل التصوير.
[26838]:جامع البيان 13/395، وتفسير ابن كثير 2/289، والدر المنثور 4/395.
[26839]:هو: محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المدني، نزيل العراق، إمام المغازي توفي 150. انظر: تقريب التهذيب 403.
[26840]:في الأصل: لا، وهو تحريف.
[26841]:في الأصل: بهديهم، وهو تحريف.
[26842]:سيرة ابن هشام 1/666، وجامع البيان 13/395، بألفاظ متقاربة.
[26843]:جامع البيان 13/396، وتفسير ابن كثير 2/288، وتمامه: "قال: وليس هذا من صفة الآخرين، هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر". انظر: زاد المسير 3/323.
[26844]:من: ودل عليه، إلى: آخر الآية، لم يرد في جامع البيان.
[26845]:في الأصل: أي، وهو تحريف. ورسمت في "ر": أنى، بالألف المقصورة.
[26846]:في المخطوطتين: إنك، وهو تحريف. وأثبت ما في جامع البيان.
[26847]:زيادة من جامع البيان.
[26848]:التفسير 352، وجامع البيان 13/392، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1659.
[26849]:جامع البيان 13/396، وتمامه: "وأن لا معنى لما قال ابن زيد؛ لأن الذي قبل قوله: {يجادلونك في الحق}، خبر عن أهل الإيمان، والذي يتلوه خبر عنهم، فأن يكون خبرا عنهم، أولى منه بأن يكون خبرا عمن لم يجر له ذكر". قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 2/288: "وهذا الذي نصره ابن جرير هو الحق، وهو الذي يدل عليه سياق الكلام، والله أعلم".
[26850]:في جامع البيان 13/397،: "وقال آخرون: معناه: يجادلونك في القتال بعد ما أمرت به. ذكر من قال ذلك: روى الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس". قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه: "هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، لم يذكر نصا، وكأن صواب العبارة: رواه الكلبي..." ولم أجده فيما لدي من مصادر.