اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ} (6)

قوله : { بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } المرادُ منه : إعلام رسُول اللَّهِ بأنَّهم ينصرون ، وجدالهم قولهم : ما كان خُروجنا إلاَّ للعير ، وهلاَّ قلت لنا لنستعدّ ونتأهبّ للقتالِ ؛ لأنَّهم كانُوا يكرهون القتال ثُم إنَّه تعالى شبَّه حالهم في فرط فزعهم بحال من يُجَرّ إلى القتل ، ويُسَاق إلى الموت وهو شاهد لأسبابه ناظر إلى موجبته ، ومنه قوله عليه السَّلامُ : " من نفى ابنه وهو ينظر إليه " أي يعلم أنَّه ابنه ، كقوله تعالى : { يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } [ النبأ : 40 ] أي يعلم وكان خوفهم لأمور :

أحدها : قلَّة العدد .

وثانيها : كانوا رجَّالة ، روي أنه ما كان فيهم إلا فارسان . وثالثها : قلة السلاح .

قوله : يُجادلُونك يحتمل أن يكون مُسْتأنفاً إخباراً عن حالهم بالمجادلةِ ، ويحتمل أن يكون حالاً ثانية أي : أخرجك في حال مجادلتهم إيَّاك ، ويحتمل أن يكون حالاً من الضَّمير في لكارهُون ، أي : لكارِهُونَ في حال جدالٍ .

والظاهرُ أنَّ الضميرَ المرفوع يعودُ على الفريق المتقدِّم .

ومعنى المجادلة قولهم : كيف تُقاتل ولم نستعد للقتال ؟ ويجوزُ أن يعود على الكفَّارِ ، وجدالهم ظاهر .

قوله : بَعْدَ ما تبيَّن منصوب بالجدال ، و " ما " مصدرية ، أي : بعد تَبينِهِ ووضوحه ، وهو أقبحُ من الجدال في الشَّيء قبل إيضاحه .

وقرأ عبد{[17168]} الله " بُيِّن " مبنياً للمفعول من : بَيَّنتُهُ أي : أظهرته ، وقوله : " وهُمُ ينظرُونَ " حالٌ من مفعول يُساقُونَ .


[17168]:ينظر: المحرر الوجيز 2/50، والبحر المحيط 4/458، والدر المصون 3/397.