( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره . ألا له الخلق والأمر . تبارك الله رب العالمين ) . .
إن عقيدة التوحيد الإسلامية ، لا تدع مجالاً لأي تصور بشري عن ذات الله سبحانه ؛ ولا عن كيفيات أفعاله . . فالله سبحانه ليس كمثله شيء . . ومن ثم لا مجال للتصور البشري لينشىء صورة عن ذات الله . فكل التصورات البشرية إنما تنشأ في حدود المحيط الذي يستخلصه العقل البشري مما حوله من أشياء . فإذا كان الله - سبحانه - ليس كمثله شيء ، توقف التصور البشري إطلاقاً عن إنشاء صورة معينة لذاته تعالى . ومتى توقف عن إنشاء صورة معينة لذاته العلية فإنه يتوقف تبعاً لذلك عن تصور كيفيات أفعاله جميعاً . ولم يبق أمامه إلا مجال تدبر آثار هذه الأفعال في الوجود من حوله . . وهذا هو مجاله . .
ومن ثم تصبح أسئلة كهذه : كيف خلق الله السماوات والأرض ؟ كيف استوى على العرش ؟ كيف هذا العرش الذي استوى عليه الله سبحانه ؟ ! . . . تصبح هذه الأسئلة وأمثالها لغوا يخالف توجيهها قاعدة الاعتقاد الإسلامي . أما الإجابة عليها فهي اللغو الأشد الذي لا يزاوله من يدرك تلك القاعدة ابتداء ! ولقد خاضت الطوائف - مع الأسف - في هذه المسائل خوضاً شديداً في تاريخ الفكر الإسلامي ، بالعدوى الوافدة على هذا الفكر من الفلسفة الإغريقية !
فأما الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ، فهي كذلك غيب لم يشهده أحد من البشر ولا من خلق الله جميعاً : ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم . . وكل ما يقال عنها لا يستند إلى أصل مستيقن .
إنها قد تكون ست مراحل . وقد تكون ستة أطوار . وقد تكون ستة أيام من أيام الله التي لاتقاس بمقاييس زماننا الناشئ من قياس حركة الأجرام - إذ لم تكن قبل الخلق هذه الأجرام التي نقيس نحن بحركتها الزمان ! . . وقد تكون شيئاً آخر . . فلا يجزم أحد ماذا يعني هذا العدد على وجه التحديد . . وكل حمل لهذا النص ومثله على " تخمينات " البشرية التي لا تتجاوز مرتبة الفرض والظن - باسم " العلم ! " - هو محاولة تحكمية ، منشؤها الهزيمة الروحية أمام " العلم " الذي لا يتجاوز في هذا المجال درجة الظنون والفروض !
ونخلص نحن من هذه المباحث التي لا تضيف شيئاً إلى هدف النص ووجهته . لنرتاد مع النصوص الجميلة تلك الرحلة الموحية في أقطار الكون المنظور ، وفي أسراره المكنونة :
( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره . ألا له الخلق والأمر . تبارك الله رب العالمين ) . .
إن الله الذي خلق هذا الكون المشهود في ضخامته وفخامته . والذي استعلى على هذا الكون يدبره بأمره ويصرفه بقدره . يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً . . في هذه الدوره الدائبة : دورة الليل يطلب النهار في هذا الفلك الدوار . والذي جعل الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره . . إن الله الخالق المهيمن المصرف المدبر ، هو( ربكم ) . . هو الذي يستحق أن يكون رباً لكم . يربيكم بمنهجه ، ويجمعكم بنظامه ، ويشرع لكم بإذنه ، ويقضي بينكم بحكمه . . إنه هو صاحب الخلق والأمر . . وكما أنه لا خالق معه . فكذلك لا آمر معه . . هذه هي القضية التي يستهدفها هذا الاستعراض . . قضية الألوهية والربوبية والحاكمية ، وإفراد الله سبحانه بها . . وهي قضية العبودية من البشر في شريعة حياتهم . فهذا هو الموضوع الذي يواجهه سياق السورة ممثلاً في مسائل اللباس والطعام . كما كان سياق سورة الأنعام يواجهه كذلك في مسائل الأنعام والزروع والشعائر والنذور .
ولا ينسينا الهدف العظيم الذي يستهدفه السياق القرآني بهذا الاستعراض ، أن نقف لحظات أمام روعة المشاهد وحيويتها وحركتها وإيحاءاتها العجيبة . فهي من هذه الوجهة كفء للهدف العظيم الذي تتوخاه . .
إن دورة التصور والشعور مع دورة الليل والنهار في هذا الفلك الدوار ، والليل يطلب النهار حثيثاً ، ويريده مجتهداً ! لهي دورة لا يملك الوجدان ألا يتابعها ؛ وألا يدور معها ! وألا يرقب هذا السباق الجبار بين الليل والنهار ، بقلب مرتعش ونفس لاهث ! وكله حركة وتوفز ، وكله تطلع وانتظار !
إن جمال الحركة وحيويتها و " تشخيص " الليل والنهار في سمت الشخص الواعي ذي الإرادة والقصد . . إن هذا كله مستوى من جمال التصوير والتعبير لا يرقى إليه فنّ بشري على الإطلاق !
إن الألفة التي تقتل الكون ومشاهده في الحس ؛ وتطبع النظرة إليه بطابع البلادة والغفلة . . إن هذه الألفة لتتوارى ، ليحل محلها وقع المشهد الجديد الرائع الذي يطالع الفطرة كأنما لأول وهلة ! . . إن الليل والنهار في هذا التعبير ليسا مجرد ظاهرتين طبيعيتين مكرورتين . وإنما هما حيان ذوا حس وروح وقصد واتجاه . يعاطفان البشر ويشاركانهم حركة الحياة ؛ وحركة الصراع والمنافسة والسباق التي تطبع الحياة !
كذلك هذه الشمس والقمر والنجوم . . إنها كائنات حية ذات روح ! إنها تتلقى أمر الله وتنفذه ، وتخضع له وتسير وفقه . إنها مسخرة ، تتلقى وتستجيب ، وتمضي حيث أمرت كما يمضي الأحياء في طاعة الله !
ومن هنا يهتز الضمير البشري ؛ وينساق للإستجابة ، في موكب الأحياء المستجيبة . ومن هنا هذا السلطان للقرآن الذي ليس لكلام البشر . . إنه يخاطب فطرة الإنسان بهذا السلطان المستمد من قائله - سبحانه - الخبير بمداخل القلوب وأسرار الفطر . .
جاءت أغراض هذه السّورة متناسبة متماسكة ، فإنّها ابتدئت بذكر القرآن والأمرِ باتّباعه ونبذِ ما يصدّ عنه وهو اتّباع الشّرك ؛ ثمّ التّذكيرِ بالأمم التي أعرضت عن طاعة رسل الله ، ثمّ الاستدلال على وحدانية الله ، والامتنانِ بخلق الأرض والتّمكين منها ، وبخلق أصل البشر وخَلقهم ، وخُلَل ذلك بالتّذكير بعداوة الشّيطان لأصل البشر وللبشر في قوله : { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } [ الأعراف : 16 ] . وانتُقل من ذلك إلى التّنديد على المشركين فيما اتّبعوا فيه تسويل الشّيطان من قوله : { وإذا فعلوا فاحشة } [ الأعراف : 28 ] ، ثمّ بتذكيرهم بالعهد الذي أخذه الله على البشر في قوله : { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم } [ الأعراف : 35 ] الآية . وبأن المشركين ظَلموا بنكث العهد بقوله : { فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته } [ الأعراف : 37 ] وتوعدهم وذكّرهم أحوال أهل الآخرة ، وعَقِب ذلك عاد إلى ذكر القرآن بقوله : { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم } [ الأعراف : 52 ] وأنهاه بالتّذييل بقوله : { قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون } [ الأعراف : 53 ] .
فلا جرم تهيأت الأسماع والقلوب لتلقي الحجّة على أنّ الله إله واحد ، وأنّ آلهة المشركين ضلال وباطل ، ثمّ لِبيان عظيم قدرته ومجده فلذلك استؤنف بجملة { إن ربكم الله } الآية ، استئنافاً ابتدائياً عاد به التّذكير إلى صدر السّورة في قوله : { ولا تتبعوا من دونه أولياء } [ الأعراف : 3 ] ، فكان ما في صدر السّورة بمنزلة المطلوب المنطقي ، وكان ما بعده بمنزله البرهان ، وكان قوله : { إن ربكم الله } بمنزلة النّتيجة للبرهان ، والنتيجة مساوية للمطلوب إلاّ أنّها تؤخَذُ أوضحَ وأشد تفصيلاً .
فالخطاب موجّه إلى المشركين ابتداء ، ولذلك كان للتّأكيد بحرف ( إنّ ) موقعه لرد إنكار المشركين انفراد الله بالرّبوبيه . وإذ كان ما اشتملت عليه هذه الآية يزيد المسلمين بصيرة بعظم مجد الله وسعة ملكه ، ويزيدهم ذكرى بدلائل قدرته ، كان الخطاب صالحاً لتناول المسلمين ، لصلاحية ضمير الخطاب لذلك ، ولا يكون حرف ( إن ) بالنّسبة إليهم سدى ، لأنّه يفيد الاهتمام بالخبر ، لأنّ فيه حظاً للفريقين ، ولأنّ بعض ما اشتمل عليه ( ما ) هو بالمؤمنين أعلق مثل { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } [ الأعراف : 55 ] وقوله : { إن رحمت الله قريب من المحسنين } [ الأعراف : 56 ] وبعضه بالكافرين أنسب مثل قوله : { كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون } [ الأعراف : 57 ] .
وقد جعل المخبرُ عنه الرب ، والخبرُ اسمَ الجلالة : لأن المعنى أنّ الرب لكم المعلومَ عندكم هو الذي اسمه الدال على ذاته : اللَّهُ ، لا غيره ممَن ليس له هذا الاسم ، على ما هو الشّأن ، فهي تعريف المسند في نحو : أنا أخوك ، يقال لمن يعرف المتكلّم ويعرف أنّ له أخاً ولا يعرف أنّ المتكلم هو أخوه . فالمقصود من تعريف المسند إفادة ما يسمّى في المنطق بحمل المواطاة ، وهو حمل ( هُو هُو ) ولذلك يخيّر المتكلّم في جعل أحد الجزأين مسند إليه ، وجعل الآخر مسنداً ، لأنّ كليهما معروف عند المخاطب ، وإنّما الشّأن أن يجعل أقواهما معرفة عند المخاطب هو المسندَ إليه .
ليكون الحمل أجدى إفادة ، ومن هذا القبيل قول المعرّي يصف فارساً في غارة :
يخُوض بَحْراً نَقْعه ماؤُه *** يحُمله السّابح في لِبْدِهِ
إذ قد عَلِم السامع أنّ للفارس عند الغارة نقعاً . وعلم أنّ الشّاعر أثبت للفارس بَحراً وأنّ للبحر ماء ، فقد صار النّقع والبحر معلومين للسّامع ، فأفاده أنّ نقع الفارس هو ماء البحر المزعوم ، لأنّه أجدى لمناسبة استعارة البحر للنّقع ، وإلاّ فما كان يعوز المعرّي أن يقول : ماؤه نقعه فمن انتقد البيت فإنّه لم ينصفه .
وأُكِّد هذا الخبر بحرف التّوكيد ، وإن كان المشركون يثبتون الربوبيّة لله ، والمسلمون لا يمترون في ذلك ، لتنزيل المشركين مِن المخاطبين منزلة من يتردّد في كون الله ربّاً لهم لكثرة إعراضهم عنه في عباداتهم وتوجهاتهم .
وقولُه : { الذي خلق السموات والأرض } صفة لاسم الجلالة ، والصّلة مؤذنة بالإيماء إلى وجه بناء الخبر المتقدّم ، وهو { إن ربكم الله } لأنّ خلق السّماوات والأرض يكفيهم دليلاً على انفراده بالإلهية ، كما تقدّم عند قوله تعالى : { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } بسورة الأنعام ( 1 ) .
وقوله : { في ستة أيام ثم استوى على العرش } تعليم بعظيم قدرته ، ويحصل منه للمشركين زيادة شعور بضلالهم في تشريك غيره في الإلهية ، فلا يدلّ قوله : { في ستة أيام } على أنّ أهل مكّة كانوا يعلمون ذلك ، وفيه تحَدّ لأهل الكتاب كما في قوله تعالى : { أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } [ الشعراء : 197 ] وليس القصد من قوله : { في ستة أيام } الاستدلال على الواحدانية ، إذ لا دلالة فيه على ذلك .
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون خلق السّماوات والأرض مدّرجاً ، وأن لا يكون دفعة ، لأنّه جعل العوالم متولِّداً بعضُها من بعض ، لتكون أتقن صنعاً ممّا لو خُلقت دَفعة ، وليكون هذا الخلق مَظْهَراً لصفتي علممِ الله تعالى وقدرتِه ، فالقدرة صالحة لخلقها دفعة ، لكنّ العلم والحكمة اقتضيا هذا التّدرج ، وكانت تلك المدّة أقل زمن يحصل فيه المراد من التّولّد بعظيم القدرة . ولعلّ تكرّر ذكر هذه الأيّام في آيات كثيرة لقصد التّنبيه إلى هذه النّكتة البديعة ، من كونها مظهر سعة العلم وسعة القدرة .
وظاهر الآيات أنّ الأيّام هي المعروفة للنّاس ، التي هي جمعُ اليوم الذي هو مدّة تقدّر من مبدأ ظهور الشّمس في المشرق إلى ظهُورها في ذلك المكان ثانية ، وعلى هذا التّفسير فالتّقدير في ما يماثل تلك المدّة ستّ مرّات ، لأنّ حقيقة اليوم بهذا المعنى لم تتحقّق إلاّ بعد تمام خلق السّماء والأرض ، ليمكن ظهور نور الشّمس على نصف الكرة الأرضية وظهور الظلمة على ذلك النّصف إلى ظهور الشّمس مرّة ثانية ، وقد قيل : إنّ الأيّام هنا جمع اليوم من أيّام الله تعالى الذي هو مدّة ألف سنة ، فستّة أيام عبارة عن ستّة آلاف من السّنين نظراً لقوله تعالى : { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } [ الحج : 47 ] وقوله : { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } [ السجدة : 5 ] ، ونقل ذلك عن زيد بن أرقم واختاره النّقاش ، وما هو ببعيد ، وإن كان مخالفاً لما في التّوراة ، وقيل المراد : في ستّة أوقات ، فإنّ اليوم يطلق على الوقت كما في قوله تعالى : { ومن يولهم يومئذ دبره } [ الأنفال : 16 ] أي حين إذ يلقاهم زَحْفاً ، ومقصود هذا القائل أنّ السماوات والأرض خُلقت عالَماً بعد عالم ولم يشترك جميعُها في أوقات تكوينها ، وأيّاً مّا كان فالأيام مراد بها مقادير لا الأيام التي واحدها يوم الذي هو من طلوع الشّمس إلى غروبها إذ لم تكن شمس في بعض تلك المدّة ، والتّعمّق في البحث في هذا خروج عن غرض القرآن .
والاستواء حقيقتهُ الاعتدال ، والذي يؤخذ من كلام المحقّقين من علماء اللّغة والمفسّرين أنّه حقيقة في الارتفاع والاعتلاء ، كما في قوله تعالى في صفة جبريل { فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى } [ النجم : 6 8 ] .
والاستواء له معان متفرّعة عن حقيقته ، أشهرها القصد والاعتلاء ، وقد التُزم هذا اللّفظ في القرآن مسنداً إلى ضمير الجلالة عند الإخبار عن أحوال سماوية ، كما في هذا الآية . ونظائرُها سبعُ آيات من القرآن : هنا . وفي يونس ، والرّعد ، وطه ، والفرقان ، وألم السجدة ، والحديد ، وفُصِّلت . فظهر لي أنّ لهذا الفعل خصوصيّة في كلام العرب كان بِسببها أجدرَ بالدّلالة على المعنى المرادِ تبليغُه مجملاً ممّا يليق بصفات الله ويقرّب إلى الأفهام من معنى عظمته ، ولذلك اختِير في هذه الآيات دون غيره من الأفعال التي فسّره بها المفسّرون .
فالاستواء يعبِّر عن شأن عظيم من شؤون عظمة الخالق تعالى ، اختير التّعبير به على طريق الاستعارة والتّمثيلِ : لأنّ معناه أقرب معاني المواد العربيّة إلى المعنى المعبّر عنه من شؤونه تعالى ، فإنّ الله لمّا أراد تعليم معاننٍ من عالم الغيب لم يكن يتأتى ذلك في اللّغة إلاّ بأمثلة معلومة من عالم الشّهادة ، فلم يكن بد من التّعبير عن المعاني المغيّبة بعبارات تقرّبها ممّا يعبر به عن عالم الشّهادة ، ولذلك يكثر في القرآن ذكر الاستعارات التّمثيليّة والتّخييليّة في مثل هذا .
وقد كان السّلف يتلقّون أمثالها بلا بحثٍ ولا سؤال لأنّهم علموا المقصود الإجمالي منها فاقتنعوا بالمعنى مجملاً ، ويسمّون أمثالَها بالمتشابهات ، ثمّ لمّا ظهر عصر ابتداء البحث كانوا إذا سئلوا عن هذه الآية يقولون : استوى الله على العرش ولا نعرف لذلك كيفاً ، وقد بيّنتُ أنّ مثل هذا من القسم الثّاني من المتشابه عند قوله تعالى : { وأخر متشابهات } في سورة آل عمران ( 7 ) ، فكانوا يأبون تأويلها . وقد حكى عياض في « المدارك » عن سفيان بن عيينة أنّه قال : سأل رجل مالكاً فقال : الرّحمانُ على العرش استوى .
كيفَ استوى يا أبا عبد الله ؛ فسكت مالكٌ مليّاً حتّى علاه الرّحَضاء ثمّ سُرّيَ عنه ، فقال : « الاستواء معلوم والكيف غير معقول والسؤال عن هذا بدعة والإيمان به واجب وإنّي لأظنّك ضالاً » واشتهر هذا عن مالك في روايات كثيرة ، وفي بعضها أنّه قال لمن سأله : « وأظنّك رجُلَ سوء أخْرِجُوه عنّي » وأنّه قال : « والسؤالُ عنه بدعة » . وعن سفيان الثّوري أنّه سئل عنها : « فقال : فَعَلَ الله فعلا في العرش سمّاه استواء » . قد تأوّله المتأخّرون من الأشاعرة تأويلات ، أحسنها : ما جنح إليه إمام الحرمين أنّ المراد بالاستواء الاستيلاء بقرينة تعديته بحرف على ، وأنشدوا على وجه الاستيناس لذلك قولَ الأخطل :
قد استوى بِشْرٌ على العراق *** بغيرِ سيف ودم مُهْرَاق
وأُراه بعيداً ، لأنّ العرش ما هو إلاّ من مخلوقاته فلا وجه للإخبار باستيلائه عليه ، مع احتمال أن يكون الأخطل قد انتزعه من هذه الآية ، وقد قال أهل اللّغة : إنّ معانيه تختلف باختلاف تعديته بعَلى أو بإلى ، قال البخاري ، عن مجاهد : استوى عَلا على العرش ، وعن أبي العالية : استوى إلى السّماء ارتفع فسَوى خلقهن .
وأحسب أنّ استعارته تختلف بقرينة الحَرف الذي يُعدّى به فعله ، فإن عُدّي بحرف ( على ) كما في هذه الآية ونظائرها فهو مستعار من معنى الاعتلاء ، مستعمل في اعتلاء مجازي يدلّ على معنى التّمكّن ، فيحتمل أنّه أريد منه التّمثيل ، وهو تمثيل شأنِ تصرّفه تعالى بتدبير العوالم ، ولذلك نجده بهذا التّركيب في الآيات السّبع واقعاً عقب ذكر خلق السّماوات والأرض ، فالمعنى حينئذ : خلقَها ثمّ هو يدبّر أمورها تدبير المَلِك أمور مملكته مستوياً على عَرشه . وممّا يقرب هذا المعنى قول النّبيء صلى الله عليه وسلم " يَقْبِض الله الأرضَ ويطوي السّماوات يومَ القيامة ثمّ يقول : أنا المَلِك أيْنَ ملوك الأرض " . ولذلكَ أيضاً عُقب هذا التّركيب في مواقعه كلّها بما فيه معنى التّصرف كقوله هنا { يغشى الليل النهار } الخ ، وقوله في سورة يونس ( 3 ) : { يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه } وقوله في سورة الرّعد ( 2 ) : { وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات } وقوله في سورة ألم السجدة ( 4 ، 5 ) : { مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض } وكمال هذا التّمثيل يقتضي أن يكون كلّ جزءٍ من أجزاء الهيئة الممثّلة مشبهاً بجزء من أجزاء الهيئة الممثَّل بها ، فيقتضي أن يكون ثمة موجود من أجزاء الهيئة الممثّلة مشابهاً لعرش المَلك في العظمة ، وكونه مصدر التّدبير والتّصرف الإلهي يفيض على العوالم قوى تدبيرها . وقد دلّت الآثار الصّحيحة من أقوال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على وجود هذا المخلوق العظيم المسمّى بالعرش كما سنبيّنه .
فأمّا إذا عُدّي فعل الاستواء بحرف اللاّم فهو مستعار من معنى القصد والتّوجّه إلى معنى تعلّق الإرادة ، كما في قوله : { ثم استوى إلى السماء } [ البقرة : 29 ] . وقد نحا صاحب « الكشاف » نحواً من هذا المعنى ، إلاّ أنّه سلك به طريقة الكناية عن المُلك : يقولون استوى فلان على العرش يريدون مُلك .
والعرش حقيقته الكرسي المرتفع الذي يجلس عليْه المَلِك ، قال تعالى : { ولها عرش عظيم } [ النما : 23 ] وقال : { ورفع أبويه على العرش } [ يوسف : 100 ] ، وهو في هذه الآية ونظائرها مستعمل جزءا من التّشبيه المركّب ، ومن بداعة هذا التّشبيه أن كان كلّ جزء من أجزاءِ الهيئة المشبهة مماثلاً لجزءٍ من أجزاء الهيئة المشبَّه بها ، وذلك أكمل التّمثيل في البلاغة العربيّة ، كما قدّمتُه آنفاً . وإذ قد كان هذا التّمثيل مقصوداً لتقريب شأن من شؤون عظمة مُلك الله بحال هيئةٍ من الهيئات المتعارفة ، ناسب أن يشتمل على ما هو شعار أعظم المدبّرين للأمور المتعارفة أعني الملوك ، وذلك شعارُ العرش الذي من حَوْله تصدر تصرّفات الملك ، فإنّ تدبير الله لمخلوقاته بأمر التّكوين يكون صدوره بواسطة الملائكة ، وقد بيّن القرآن عَمَل بعضهم مثل جبريل عليه السّلام وملَككِ الموت ، وبيَّنت السنة بعضها : فذكرت ملك الجبال ، وملك الرّياح ، والملك الذي يباشر تكوين الجنين ، ويكتُب رزقَه وأجلَه وعاقبتَه ، وكذلك أشار القرآن إلى أن من الموجودات العلويّة موجوداً منوّها به سمّاه العرش ذكره القرآن في آيات كثيرة . ولمّا ذكر خلق السّماوات والأرض وذكر العرش ذكره بما يشعر بأنّه موجود قبل هذا الخلق . وبيّنت السنّة أنّ العرش أعظم من السماوات وما فيهن ، من ذلك حديث عمران بن حصين أنّ النّبيء صلى الله عليه وسلم قال : " كان الله ولم يكن شيء قبلَه وكان عرشه على الماء ثمّ خلق السّماوات والأرض " وحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال في حديث طويل : " فإذا سألتم الله فاسألُوه الفِردوس فإنّه أوسط الجنّة ، وأعلَى الجنّة وفوقَه عرش الرّحمان ومنه تفجَّر أنهار الجنّة " وقد قيل إنّ العرشِ هو الكرسي وأنّه المراد في قوله تعالى : { وسع كرسيه السماوات والأرض } كما تقدّم الكلام عليه في سورة البقرة ( 255 ) .
وقد دلّت ( ثُمّ ) في قوله : { ثم استوى على العرش } على التّراخي الرّتبي أي وأعظم من خلق السّماوات والأرض استواءه على العرش ، تنبيهاً على أنّ خلق السّماوات والأرض لم يحدث تغييراً في تصرّفات الله بزيادة ولا نقصان ، ولذلك ذكر الاستواء على العرش عقب ذكر خلق السّماوات والأرض في آيات كثيرة ، ولعلّ المقصد من ذلك إبطال ما يقوله اليهود : إنّ الله استراح في اليوم السّابع فهو كالمقصد من قوله تعالى : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } [ ق : 38 ] .
وجملة { يغشى الليل النهار } في موضع الحال من اسم الجلالة ، ذكر به شيء من عموم تدبيره تعالى وتصرّفه المضمّن في الاستواء على العرش ، وتنبيه على المقصود من الاستواء ، ولذلك جاء به في صورة الحال لا في صورة الخبر ، كما ذكر بوجه العموم في آية سورة يونس ( 3 ) وسورة الرّعد ( 2 ) بقوله : { يدبر الأمر } وخصّ هذا التّصرف بالذّكر لما يدلّ عليه من عظيم المقدرة ، وما فيه من عبرة التّغيّر ودليلِ الحدوث ، ولكونه متكرّراً حدوثه في مشاهدة النّاس كلّهم . والإغشاء والتّغشية : جعل الشّيء غاشياً ، والغَشْي والغشيان حقيقته التّغطيّة والغمّ .
فمعنى : { يغشى الليل النهار } أنّ الله يجعل أحدهما غاشياً الآخر .
والغشي مستعار للإخفاء ، لأنّ النّهار يزيل أثر اللّيل واللّيل يزيل أثر النّهار ، ومن بديع الإيجاز ورشاقة التّركيب : جعل الليل والنّهار مفعولين لفعل فاعل الإغشاء ، فهما مفعولان كلاهما صالح لأن يكون فاعل الغشي ، ولهذا استغنى بقوله : { يغشى الليل النهار } عن ذكر عكسه ولم يقل : والنّهار اللّيل ، كما في آية { يكور الليل على النهار } [ الزمر : 5 ] لكن الأصل في ترتيب المفاعيل في هذا الباب أن يكون الأوّلُ هو الفاعل في المعنى ، ويجوز العكس إذا أمِن اللّبس ، وبالأحرى إذا استوى الاحتمالان .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم في رواية حفص { يُغْشِي } بضمّ الياء وسكون الغين وتخفيف الشّين . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية أبي بكر ، ويعقوب ، وخلَف بضمّ الياء وفتح الغين وتشديد الشّين وهما بمعنى واحد في التّعدية .
وجملة : { يطلبه } إن جعلت استينافاً أو بدلَ اشتمال من جملة ( يغشي ) فأمرها واضح ، واحتمل الضّمير المنصوب في ( يطلبه ) أن يعود إلى اللّيل وإلى النّهار ، وإن جعلت حالا تعين أن تعتبر حالاً من أحد المفعولين على السَّواء فإنّ كلاً اللّيل والنّهار يعتبر طالباً ومطلوباً ، تبعاً لاعتبار أحدهما مفعولاً أوّل أو ثانياً .
وشُبّه ظهور ظلام اللّيل في الأفق ممتداً من المشرق إلى المغرب عند الغروب واختفاء نور النّهار في الأفق ساقطاً من المشرق إلى المغرب حتّى يعمّ الظّلامُ الأفقَ بطلب اللّيل النّهارَ ، على طريقة التّمثيل ، وكذلك يفهم تشبيه امتداد ضوء الفجر في الأفق من المشرق إلى المغرب واختفاءُ ظلام اللّيل في الأفق ساقطاً في المغرب حتّى يعمّ الضياء الأفقَ : بطلب النّهار اللّيلَ على وجه التّمثيل ، ولا مانع من اعتبار التّنازع للمفعولين في جملة الحال كما في قوله تعالى : { فأتت به قومها تحمله } [ مريم : 27 ] وقوله : { والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره } .
والحثيث : المسرع ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، من حثَه إذا أعجله وكَرّر إعجاله ليبادر بالعجلة ، وقريب من هذا قول سلامة من جَنْدَل يذكر انتهاء شبابه وابتداء عصر شيْبه :
أوْدَى الشّبابُ الذي مَجْدٌ عواقِبه *** فيهِ نَلَذَّ ولا لَــذّاتِ للشّيب
ولَّى حثيثاً وهذا الشّيبُ يَتَبَعُه *** لو كان يُدْرِكه ركْضُ اليَعاقيبِ
فالمعنى يطلبه سريعاً مُجدّاً في السّرعة لأنّه لا يلبث أن يعفى أثره .
{ والشمس والقمر والنجوم } بالنّصب في قراءة الجمهور معطوفات على السّماوات والأرض ، أي وخلق الشّمسَ والقمر والنّجوم ، وهي من أعظم المخلوقات التي اشتملت عليها السّماوات .
و { مسخرات } حال من المذكورات .
وقرأ ابن عامر برفع { الشمس } وما عطف عليه ورفْععِ { مسخرات } ، فتكون الجملة حالا من ضمير اسم الجلاله كقوله : { يغشى الليل النهار } .
وتقدّم الكلام على اللّيل والنّهار عند قوله تعالى : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار } في سورة البقرة ( 164 ) ويأتي في سورة الشّمس .
والتّسخير حقيقته تذلِيل ذي عمل شاققٍ أو شاغللٍ بقهر وتخويف أو بتعليم وسياسة بدون عوض ، فمنه تسخير العبيد والأسرى ، ومنه تسخير الأفراس والرّواحل ، ومنه تسخير البقر للحلب ، والغنم للجزّ . ويستعمل مجازاً في تصريف الشّيء غير ذي الإرادة في عمل عجيب أو عظيم من شأنه أن يصعب استعماله فيه ، بحيلة أو إلهام تصريفاً يصيّره من خصائصه وشؤونه ، كتسخير الفُلك للمخر في البحر بالرّيح أو بالجذف ، وتسخير السّحاب للأمطار ، وتسخير النّهار للعمل ، واللّيل للسّكون ، وتسخير اللّيل للسّير في الصّيف ، والشّمس للدّفء في الشّتاء ، والظلّ للتبرد في الصّيف ، وتسخير الشّجر للأكل من ثماره حيث خلق مجرّداً عن موانع تمنع من اجتنائه مثل الشّوك الشّديد ، فالأسد غير مسخّر بهذا المعنى ولكنّه بحيث يسخر إذا شاء الإنسان الانتفاع بلحمه أو جلده بحيلة لصيده بزُبية أو نحوها ، ولذلك قال الله تعالى : { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه } [ الجاثية : 13 ] باعتبار هذا المجاز على تفاوت في قوّة العلاقة . فقوله : { والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره } أطلق التّسخير فيه مجازاً على جعلها خاضعة للنّظام الذي خلقها الله عليه بدون تغيير ، مع أنّ شأن عظمها أن لا يستطيعَ غيره تعالى وضعها على نظام محدود منضبط .
ولفظ الأمر في قوله : { بأمره } مستعمل مجازاً في التّصريف بحسب القدرة الجارية على وفق الإرادة . ومنه أمر التّكوين المعبّر عنه في القرآن بقوله : { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ يس : 82 ] لأن ( كن ) تقريب لنفاذ القدرة المسمّى بالتّعلّق التّسخيري عند تعلّق الإرادة التّنجيزي أيضاً فالأمر هنا من ذلك ، وهو تصريف نظام الموجودات كلّها .
وجملة : { ألا له الخلق والأمر } مستأنفة استئناف التّذييل للكلام السّابق من قوله : { الذي خلق السموات والأرض } لإفادة تعميم الخَلْق . والتّقدير : لما ذُكر آنفاً ولِغيره . فالخلق : إيجاد الموجودات ، والأمر تسخيرها للعمل الذي خلقت لأجله .
وافتتحت الجملة بحرف التّنبيه لتَعِي نفوسُ السّامعين هذا الكلام الجامع .
واللام الجارة لضمير الجلالة لام المِلك . وتقديم المسند هنا لتخصيصه بالمسند إليه .
والتّعريف في الخلق والأمر تعريف الجنس ، فتفيد الجملة قصر جنس الخلق وجنس الأمر على الكون في مِلك الله تعالى ، فليس لغيره شيء من هدا الجنس ، وهو قصر إضافي معناه : ليس لآلهتهم شيء من الخلق ولا من الأمر ، وأمّا قصر الجنس في الواقع على الكون في مِلك الله تعالى فذلك يرجع فيه إلى القرائن ، فالخلق مقصور حقيقة على الكون في ملكه تعالى ، وأمّا الأمر فهو مقصور على الكون في ملك الله قصراً ادعائياً لأنّ لكثيرٍ من الموجودات تدبيرَ أمور كثيرة ، ولكن لما كان المدبِّر مخلوقاً لله تعالى كان تدبيره راجعاً إلى تدبير الله كما قيل في قصر جنس الحمْد في قوله : { الحمد لله } [ الفاتحة : 2 ] .
وجملة { تبارك الله رب العالمين } تذييل معترضة بين جملة { إن ربكم الله } وجملة { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } [ الأعراف : 55 ] إذ قد تهيّأ المقام للتّذكير بفضل الله على النّاس ، وبنافع تصرّفاته ، عقب ما أجرى من إخبار عن عظيم قدرته وسعة علمه وإتقانِ صنعه .
وفعل { تبارك } في صورة اشتقاقه يؤذن بإظهار الوصف على صاحبه المتّصف به مثل : تثاقل ، أظهر الثّقل في العمل ، وتعال ، أي أظهر العلّة ، وتعاظم : أظهر العظمة ، وقد يستعمل بمعنى ظهور الفعل على المتّصف به ظهوراً بيِّناً حتى كأنّ صاحبه يُظهره ، ومنه : { تعالى الله } [ النمل : 63 ] أي ظَهر علوّه ، أي شرفه على الموجودات كلّها ، ومنه { تبارك } أي ظَهرت بركته .
والبركة : شدّة الخير ، وقد تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً } في سورة آل عمران ( 96 ) ، وقوله : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } في سورة الأنعام ( 92 ) . فبركة الله الموصوفُ بها هي مجده ونزاهته وقدسه ، وذلك جامع صفات الكمال ، ومن ذلك أنّ له الخلق والأمر .
وإتْباع اسم الجلالة بالوصف وهو رب العالمين في معنى البيان لاستحقاقه البركة والمجد ، لأنّه مفيض خيرات الإيجاد والإمداد ، ومدبّر أحوال الموجودات ، بوصف كونه ربّ أنواع المخلوقات ، ومضى الكلام على { العالمين } في سورة الفاتحة ( 2 ) .