الضمير في { يسرنا } ، وهذا كقوله { حتى توارت بالحجاب }{[8068]} [ ص : 32 ] لأن المعنى يقتضي المراد وإن لم يتقدم ذكره ، ووقع التيسير في كونه بلسان محمد عليه السلام وبلغته المفهومة المبينة ، وبشارة { المتقين } هي الجنة والنعيم الدائم والعز في الدنيا ، و «القوم اللد » هم قريش ومعناه مجادلين مخاصمين بباطل ، والألد الخاصم المبالغ في ذلك ، وقال مجاهد { لداً } فجاراً . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا عندي فجور الخصومة ، ولا يلد إلا المبطل . وفي الحديث :( أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) . {[8069]} ثم لما وصفهم الله تعالى بأنهم لد وهي صفة سوء بحكم الشرع والحق وجب أن يفسد عليهم بالوعيد والتمثيل بإهلاك من كان أشد منهم وألد وأعظم قدراً ما كان يسرهم في أنفسهم من الوصف بلد فإن العرب لجهالتها وعتوها وكفرها كانت تتمدح باللد وتراه إدراكاً وشهامة فمن ذلك قوله الشاعر : [ الخفيف ]
إن تحت الأحجار حزماً وعزماً . . . وخصيماً ألد ذا مغلاق{[8070]}
إيذان بانتهاء السورة ، فإن شأن الإتيان بكلام جامع بعد أفنان الحديث أن يؤذن بأنّ المتكلم سيطوي بساطه . وذلك شأن التذييلات والخواتم وهي ما يؤذن بانتهاء الكلام . فلما احتوت السورة على عبر وقصص وبشارات ونذر جاء هنا في التنويه بالقرآن وبيان بعض ما في تنزيله من الحكم .
فيجوز جعل الفاء فصيحة مؤذنة بكلام مقدر يدلّ عليه المذكور ، كأنه قيل : بلّغ ما أنزلنا إليك ولو كره المشركون ما فيه من إبطال دينهم وإنذارهم بسوء العاقبة فما أنزلناه إليك إلاّ للبشارة والنذارة ولا تعبأ بما يحصل مع ذلك من الغيظ أو الحقد . وذلك أن المشركين كانوا يقولون للنبيء صلى الله عليه وسلم « لو كففت عن شتم آلهتنا وآبائنا وتسفيه آرائنا لاتّبعناك » .
ويجوز أن تكون الفاء للتفريع على وعيد الكافرين بقوله : { لقد أحصاهم وعدم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } [ مريم : 94 ، 95 ] . ووعد المؤمنين بقوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان وداً } [ مريم : 96 ] . والمفرّع هو مضمون { لِتُبَشر به } الخ { وتُنْذِر به } الخ ، أي ذلك أثر الإعراض عما جئتَ به من النذارة ، وأثر الإقبال على ما جئت به من البشارة مما يسرناه بلسانك فإنا ما أنزلناه عليك إلاّ لذلك .
وضمير الغائب عائد إلى القرآن بدلالة السيّاق مثل : { حتى توارت بالحجاب } [ ص : 32 ] . وبذلك علم أن التيسير تسهيل قراءة القرآن . وهذا إدماج للثناء على القرآن بأنه ميسّر للقراءة ، كقوله تعالى : { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } [ القمر : 32 ] .
واللّسان : اللّغة ، أي بلغتك ، وهي العربية ، كقوله : { وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لنكون من المنذرين بلسان عربي مبين } [ الشعراء : 192 195 ] ؛ فإن نزول القرآن بأفضل اللغات وأفصحها هو من أسباب فضله على غيره من الكتب وتسهيل حفظه ما لم يسهل مثله لغيره من الكتب .
وعبر عن الكفار بقوم لدّ ذمّاً لهم بأنهم أهل إيغال في المراء والمكابرة ، أي أهل تصميم على باطلهم ، فاللّدُ : جمع ألدّ ، وهو الأقوى في اللّدد ، وهو الإباية من الاعتراف بالحق . وفي الحديث الصحيح : " أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخَصِم " ومما جره الإشراك إلى العرب من مذام الأخلاق التي خلطوا بها محاسن أخلاقهم أنهم ربما تمدحوا باللّدد ، قال بعضهم في رثاء البعض :
إن تحتَ الأحجار حزماً وعزماً *** وخصيماً ألدّ ذا مِغلاق
وقد حَسُن مقابلة المتقين بقوم لدّ ، لأن التقوى امتثال وطاعة والشرك عصيان ولَدَد .
وفيه تعريض بأن كفرهم عن عناد وهم يعلمون أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق ، كما قال تعالى : { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } [ الأنعام : 33 ] .
وإيقاع لفظ القوم عليهم للإشارة إلى أن اللّدد شأنهم ، وهو الصفة التي تقومت منها قوميتهم ، كما تقدم في قوله تعالى : { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) ، وقوله تعالى : { وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } في سورة يونس ( 101 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.