في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

ثم يلتفت بالخطاب إلى المؤمنين ، يكشف لهم عن الغاية المرجوة لهم من الرسالة . إنها الإيمان بالله ورسوله ، ثم النهوض بتكاليف الإيمان ، فينصرون الله بنصرة منهجه وشريعته ، ويوقرونه في نفوسهم بالشعور بجلاله ؛ وينزهونه بالتسبيح والتحميد طرفي النهار في البكور والأصيل ، وهي كناية عن اليوم كله ، لأن طرفي النهار يضمان ما بينهما من آونة . والغرض هو اتصال القلب بالله في كل آن . فهذه هي ثمرة الإيمان المرجوة للمؤمنين من إرسال الرسول شاهدا ومبشرا ونذيرا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

وقرأ جمهور الناس في كل الأمصار : «لتؤمنوا بالله » على مخاطبة الناس ، على معنى قل لهم ، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد ، وقرأ أبو عمرو بن العلاء وابن كثير وابو جعفر : «ليؤمنوا » بالياء على استمرار خطاب محمد عليه السلام ، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد . وقرأ الجحدري : «وتَعْزُروه » بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي . وقرأ محمد بن السميفع اليماني وابن عباس : «وتعززوه » بزاءين ، من العزة . وقرأ جعفر بن محمد : «وتَعْزِروه » بفتح التاء وسكون العين وكسر الزاي ومعنى : { تعزروه } تعظموه وتكبروه ، قاله ابن عباس : وقال قتادة معناه : تنصروه بالقتال وقال بعض المتأولين : الضمائر في قوله : { وتعزروه وتوقروه وتسبحوه } هي كلها لله تعالى . وقال الجمهور : { تعزروه وتوقروه } هما للنبي عليه السلام ، { وتسبحوه } هي لله ، وهي صلاة البردين{[10408]} .

وقرأ عمر بن الخطاب : «وتسبحوا الله » ، وفي بعض ما حكى أبو حاتم : «وتسبحون الله » ، بالنون ، وقرأ ابن عباس : «ولتسبحوا الله » . والبكرة : الغدو . والأصيل : العشي .


[10408]:قال في اللسان:البردان والأبردان: الظل والفيء، سميا بذلك لبردهما...وقيل: هما الغداة والعشي، وفي الحديث:(من صلى البردين دخل الجنة)، وفي حديث ابن الزبير:(كان يسير بنا الأبردين)، وفي حديثه الآخر مع فضالة بن شريك:(وسر بها البردين).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

وقوله : { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } . قرأ الجمهور الأفعال الأربعة { لتؤمنوا وتعزروه وتوقروه وتسبحوه } بالمثناة الفوقية في الأفعال الأربعة فيجوز أن تكون اللام في { لتؤمنوا } لام كي مفيدة للتعليل ومتعلقة بفعل { أرسلناك } .

والخطاب يجوز أن يكون للنبيء صلى الله عليه وسلم مع أمة الدعوة ، أي لتؤمن أنت والذين أرسلت إليهم شاهداً ومبشراً ونذيراً ، والمقصود الإيمان بالله . وأقحم { ورسوله } لأن الخطاب شامل للأمّة وهم مأمورون بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يؤمن بأنه رسول الله ولذلك كان يقول في تشهده : « وأشهد أن محمداً عبده ورسوله » وقال يوم حنين : « أشهدُ أني عبد الله ورسوله » وصحّ أنه كان يتابع قول المؤذن « أشهد أن محمداً رسول الله » ويجوز أن يكون الخطاب للناس خاصة ولا إشكال في عطف { ورسوله } . ويجوز أن يكون الكلام قد انتهى عند قوله { ونذيرا } وتكون جملة { لتؤمنوا بالله } الخ جملة معترضة ، ويكون اللام في قوله { لتؤمنوا } لام الأمر وتكون الجملة استئنافاً للأمر كما في قوله تعالى : { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } في سورة الحديد ( 7 ) .

وقرأه ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة فيها ، والضمائر عائدة إلى معلوم من السياق لأن الشهادة والتبشير والنذارة متعينة للتعلق بمقدّر ، أي شاهداً على الناس ومبشراً ونذيراً لهم ليُؤمنوا بالله الخ .

والتعزير : النصر والتأييد ، وتعزيزهم الله كقوله : { إن تنصروا الله } [ محمد : 7 ] . والتوقير : التعظيم . والتسبيح : الكلام الذي يدل على تنزيه الله تعالى عن كل النقائص .

وضمائر الغيبة المنصوبة الثلاثة عائدة إلى اسم الجلالة لأن إفراد الضمائر مع كون المذكور قبلها اسمين دليل على أن المراد أحدهما . والقرينة على تعيين المراد ذكر { وتسبحوه } ، ولأن عطف { ورسوله } على لفظ الجلالة اعتداد بأن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم إيمان بالله فالمقصود هو الإيمان بالله . ومن أجل ذلك قال ابن عباس في بعض الروايات عنه : إن ضمير { تعزروه وتوقروه } عائد إلى { رسوله } .

والبُكرة : أول النهار . والأصيل : آخره ، وهما كناية عن استيعاب الأوقات بالتسبيح والإكثار منه ، كما يقال : شرقاً وغرباً لاستيعاب الجهات . وقيل التسبيح هنا : كناية عن الصلوات الواجبة والقول في { بكرة وأصيلا } هو هو .

وقد وقع في سورة الأحزاب نظير هذه الآية وهو قوله : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً } [ الأحزاب : 45 ، 46 ] ، فزيد في صفات النبي صلى الله عليه وسلم هنالك { وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً } ولم يذكر مثله في الآية هذه التي في سورة الفتح . ووجه ذلك أن هذه الآية التي في سورة الفتح وردت في سياق إبطال شك الذين شكوا في أمر الصلح والذين كذبوا بوعد الفتح والنصر ، والثناءِ على الذين اطمأنوا لذلك فاقتصر من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم على الوصف الأصلي وهو أنه شاهد على الفريقين وكونه مبشراً لأحد الفريقين ونذيراً للآخر ، بخلاف آية الأحزاب فإنها وردت في سياق تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن مطاعن المنافقين والكافرين في تزوجه زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة بزعمهم أنها زوجة ابنه ، فناسب أن يزاد في صفاته ما فيه إشارة إلى التمحيص بين ما هو من صفات الكمال وما هو من الأوهام الناشئة عن مزاعم كاذبة مثل التبنِّي ، فزيد كونه { داعياً إلى الله بإذنه } ، أي لا يتبع مزاعم الناس ورغباتهم وأنه سراج منير يهتدي به من همتُّه في الاهتداء دون التقعير .

وقد تقدم في تفسير سورة الأحزاب حديث عبد الله بن عَمرو بن العاصي في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في « التوراة » فارجع إليه .