والآن فلننظر كيف تلقى بنو إسرائيل رعاية الله لهم ؛ وكيف سارت خطواتهم الملتوية على طول الطريق :
( وإذ قيل لهم : اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا : حطة ، وأدخلوا الباب سجداً ، نغفر لكم خطيئاتكم ، سنزيد المحسنين . فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم ، فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون ) . .
لقد عفا الله عنهم بعد اتخاذهم العجل ؛ وعفا عنهم بعد الرجفة على الجبل . ولقد أنعم عليهم بكل تلك النعم . . ثم ها هم أولاء تلتوي بهم طبيعتهم عن استقامة الطريق ! ها هم أولاء يعصون الأمر ، ويبدلون القول ! ها هم أولاء يؤمرون بدخول قرية بعينها - أي مدينة كبيرة - لا يعين القرآن اسمها - لأنه لايزيد في مغزى القصة شيئاً - وتباح لهم خيراتها جميعاً ، على أن يقولوا دعاء بعينه وهم يدخلونها ؛ وعلى أن يدخلوا بابها سجداً ، إعلان للخضوع لله في ساعة النصر والاستعلاء - وذلك كما دخل رسول الله [ ص ] مكة في عام الفتح ساجداً على ظهر دابته - وفي مقابل طاعة الأمر يعدهم الله أن يغفر لهم خطيئاتهم وأن يزيد للمحسنين في حسناتهم . .
المعنى واذكر «إذ قيل لهم » ، والمراد من سلف من بني إسرائيل ، وذلك أنهم لما خرجوا من التيه قيل لهم { اسكنوا هذه القرية } و «القرية » في كلام العرب المدينة مجتمع المنازل ، والإشارة هنا إلى بيت المقدس ، قاله الطبري ، وقيل إلى أريحا ، و { حيث شئتم } أي هي ونعمها لكم مباحة ، وقرأ السبعة والحسن وأبو رجاء ومجاهد وغيرهم «حطةٌ » بالرفع ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «حطةً » بالنصب ، الرفع على خبر ابتداء تقديره طلبنا حطة ، والنصب على المصدر أي حط ذنوبنا حطةً ، وهذا على ان يكلفوا قول لفظة معناها حطة ، وقد قال قوم كلفوا قولاً حسناً مضمنة الإيمان وشكر الله ليكون حطة لذنوبهم ، فالكلام على هذا كقولك قل خيراً . . وتوفية هذا مذكور في سورة البقرة .
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي «نغفر » بالنون «لكم خطيئاتكم » بالتاء مهموز على الجمع ، وقرأ أبو عمرو «نغفر » بالنون «لكم خطاياكم » نحو قضاياكم وهي قراءة الحسن والأعمش ، وقرأ نافع «تُغفر » بتاء مضمومة «لكم خطيئاتُكم » بالهمز وضم التاء على الجمع ، ورواها محبوب عن أبي عمرو ، وقرأ ابن عامر «تُغفر » بتاء مضمومة «لكم خطيئتُكم » واحدة مهموزة مرفوعة ، قال أبو حاتم : وقرأها الأعرج وفرقة «تُغفر بالتاء وفتحها على معنى أن الحطة تغفر إذ هي سبب الغفران .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر أيضا يا محمد من خطأ فعل هؤلاء القوم وخلافهم على ربهم وعصيانهم نبيهم موسى عليه السلام وتبديلهم القول الذي أمروا أن يقولوه حين قال الله لهم:"اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ" وهي قرية بيت المقدس، "وكُلُوا مِنْها "يقول: من ثمارها وحبوبها ونباتها، "حَيْثُ شِئْتُمْ" منها يقول: أنى شئتم منها، "وَقُولُوا حِطّةٌ" يقول: وقولوا: هذه الفعلة حطة تحطّ ذنوبنا، "نَغْفِرْ لَكُمْ": يتغمد لكم ربكم ذنوبكم التي سلفت منكم، فيعفو لكم عنها، فلا يؤاخذكم بها. "سَنزِيدُ المُحْسِنِينَ" منكم، وهم المطيعون لله، على ما وعدتكم من غفران الخطايا.
وقد ذكرنا الروايات في كل ذلك باختلاف المختلفين والصحيح من القول لدينا فيه فيما مضى بما أغني عن إعادته.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قوله تعالى:"وادخلوا الباب سجدا" يعني متواضعين، وكانوا أمروا بأن يدخلوا بابا منه معينا في هذا الموضع كانوا فيه -في قول الجبائي- وقال ذلك قبل دخلوهم إلى بيت المقدس. وقوله "وقولوا حطة "معناه قولوا حط عنا ذنوبنا وهو بمنزلة الاستغفار والتوبة. وقوله "نغفر لكم خطاياكم" جواب الأمر وفيه معنى الجزاء. والتقدير أنكم إن فعلتم ذلك غفرنا لكم خطاياكم. وقوله "سنزيد المحسنين" معناه سنزيد المحسنين منكم نعما وفضلا في الدنيا والآخرة، ولا نقتصر لهم على نعم هذه القرية.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يخبر عما ألزمهم من مراعاة الحدود، وما حصل منهم من نقض العهود. وعما ألزمهم من التكليف، ولقَّاهم به من صنوف التعريف، وإكرامه من شاءَ منهم بالتوفيق والتصديق، وإذلاله من شاء منهم بالخذلان وحرمان التحقيق، ثم ما عاقبهم به من فنون البلاء فما لقوا تعريفاً، وأذاقهم من سوء الجزاء، حُكْماً -من الله- حتما، وقضاء جزماً.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ذكر ما حباهم بهم في القفار، أتبعه إنعامه عليهم عند الوصول إلى الدار فقال: {وإذ} أي اذكر لهم هذا ليصدقوك أو يصيروا في غاية الظلم كأصحاب السبت فيتوقعوا مثل عذابهم، واذكر لهم ما لم تكن حاضره ولا أخذته عنهم، وهو وقت إذ، وعدل عن الإكرام بالخطاب ونون العظمة، لأن السياق للإسراع في الكفر فقال: {قيل لهم اسكنوا} أي ادخلوا مطمئنين على وجه الإقامة، ولا يسمى ساكناً إلا بعد التوطن بخلاف الدخول، فإنه يكون بمجرد الولوج في الشيء على أيّ وجه كان... ولما خلت نعمة الأكل في هذا السياق عما دعا إليه سياق البقرة من التعقيب وهو الاستعطاف، ذكرت بالواو الدالة على مطلق الجمع، وهي لا تنافي تلك، فقال: {وكلوا منها} أي القرية {حيث شئتم} وأسقط الرغد لذلك، وقدم {وقولوا حطة} ليكون أول قارع للسمع مما أمروا به من العبادة مشعراً بعظيم ما تحملوه من الآثام، إيذاناً بما سيقت له هذه القصص في هذه السورة من المقام. ولما أمروا بالحطة قولاً، أمروا أن يشفعوها بفعل، لتحط عنهم ذنوبهم، ولا ينافي التقديم هنا التأخير في البقرة، لأن الواو لا ترتب، فقال: {وادخلوا الباب} أي باب بيت المقدس حال كونكم {سجداً نغفر لكم} ولما كان السياق هنا لبيان إسراعهم في الكفر، ناسب ذلك جمع الكثرة في قوله: {خطاياكم} في قراءة أبي عمرو، وأما قراءة ابن عامر {خطيتكم} بالإفراد وقراءة غيرهما {خطياتكم} جمع قلة فللإشارة إلى أنها قليل في جنب عفوه تعالى، وكذا بناء {نغفر} للمجهول تأنيثاً وتذكيراً، كل ذلك ترجية لهم واستعطافاً إلى التوبة، ولذلك ساق سبحانه ما بعده مساق السؤال لمن كأنه قال: هذا الرجاء قد حصل، فهل مع المغفرة من كرامة؟ فقال: {سنزيد} أي بوعد لا خلف فيه عن قريب، وهو لا ينافي إثبات الواو في البقرة {المحسنين} أي العريقين في هذا الوصف،...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: ادخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا، وهي (إيلياء) وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أي: قرية كانت كثيرة الأشجار، غزيرة الثمار، رغيدة العيش، فلذلك أمرهم اللّه أن يأكلوا منها حيث شاءوا. "وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا "أي: خاضعين لربكم مستكينين لعزته، شاكرين لنعمته، فأمرهم بالخضوع، وسؤال المغفرة، ووعدهم على ذلك مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والآجل فقال: "نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنزيدُ الْمُحْسِنِينَ" من خير الدنيا والآخرة،
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والآن فلننظر كيف تلقى بنو إسرائيل رعاية الله لهم؛ وكيف سارت خطواتهم الملتوية على طول الطريق:
(وإذ قيل لهم: اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا: حطة، وأدخلوا الباب سجداً، نغفر لكم خطيئاتكم، سنزيد المحسنين. فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم، فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون)..
لقد عفا الله عنهم بعد اتخاذهم العجل؛ وعفا عنهم بعد الرجفة على الجبل. ولقد أنعم عليهم بكل تلك النعم.. ثم ها هم أولاء تلتوي بهم طبيعتهم عن استقامة الطريق! ها هم أولاء يعصون الأمر، ويبدلون القول! ها هم أولاء يؤمرون بدخول قرية بعينها -أي مدينة كبيرة- لا يعين القرآن اسمها -لأنه لايزيد في مغزى القصة شيئاً- وتباح لهم خيراتها جميعاً، على أن يقولوا دعاء بعينه وهم يدخلونها؛ وعلى أن يدخلوا بابها سجداً، إعلان للخضوع لله في ساعة النصر والاستعلاء -وذلك كما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عام الفتح ساجداً على ظهر دابته- وفي مقابل طاعة الأمر يعدهم الله أن يغفر لهم خطيئاتهم وأن يزيد للمحسنين في حسناتهم..
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.