في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

ويمضي موسى في البيان لقومه . بعد ما ذكرهم بأيامه . ووجههم إلى الغاية من العذاب والنجاة . وهي الصبر للعذاب والشكر للنجاة . . يمضي ليبين لهم ما رتبه الله جزاء على الشكر والكفران :

( وإذ تأذن ربكم : لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) . .

ونقف نحن أمام هذه الحقيقة الكبيرة : حقيقة زيادة النعمة بالشكر ، والعذاب الشديد على الكفر

نقف نحن أمام هذه الحقيقة تطمئن إليها قلوبنا أول وهلة لأنها وعد من الله صادق . فلا بد أن يتحقق على أية حال . . فإذا أردنا أن نرى مصداقها في الحياة ، ونبحث عن أسبابه المدركة لنا ، فإننا لا نبعد كثيرا في تلمس الأسباب .

إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية . فالخير يشكر لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي في الفطرة المستقيمة .

هذه واحدة . . والأخرى أن النفس التي تشكر الله على نعمته ، تراقبه في التصرف بهذه النعمة . بلا بطر ، وبلا استعلاء على الخلق ، وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد .

وهذه وتلك مما يزكي النفس ، ويدفعها للعمل الصالح ، وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها ؛ ويرضي الناس عنها وعن صاحبها ، فيكونون له عونا ؛ ويصلح روابط المجتمع فتنمو فيه الثروات في أمان . إلى آخر الأسباب الطبيعية الظاهرة لنا في الحياة . وإن كان وعد الله بذاته يكفي لاطمئنان المؤمن ، أدرك الأسباب أو لم يدركها ، فهو حق واقع لأنه وعد الله .

والكفر بنعمة الله قد يكون بعدم شكرها . أو بإنكار أن الله واهبها ، ونسبتها إلى العلم والخبرة والكد الشخصي والسعي ! كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم الله ! وقد يكون بسوء استخدامها بالبطر والكبر على الناس واستغلالها للشهوات والفساد . . وكله كفر بنعمة الله . .

والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة . عينا بذهابها . أو سحق آثارها في الشعور . فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ويحسد الخالين ! وقد يكون عذابا مؤجلا إلى أجله في الدنيا أو في الآخرة كما يشاء الله . ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة الله لا يمضي بلا جزاء .

/خ27

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

و { تأذن } بمعنى آذن . أي أعلم ، وهو مثل : أكرم وتكرم ، وأوعد وتوعد ، وهذا الإعلام منه مقترن بإنفاذ وقضاء قد سبقه ، وما في تفعل هذه من المحاولة والشروع إذا أسندت إلى البشر منفي في جهة الله تعالى ، وأما قول العرب : تعلم بمعنى أعلم ، فمرفوض . الماضي على ما ذكر يعقوب . كقول الشاعر :

تعلم أبيت اللعن . . . . . . {[7011]} ونحوه .

وقال بعض العلماء : الزيادة على الشكر ليست في الدنيا وإنما هي من نعم الآخرة ، والدنيا أهون من ذلك .

قال القاضي أبو محمد : وصحيح جائز أن يكون ذلك ، وأن يزيد الله أيضاً المؤمن على شكره من نعم الدنيا وأن يزيده أيضاً منهما جميعاً ، وفي هذه الآية ترجية وتخويف ، ومما يقضي بأن الشكر متضمن الإيمان أنه عادله بالكفر ، وقد يحتمل أن يكون الكفر كفر النعم لا كفر الجحد ، وحكى الطبري عن سفيان وعن الحسن أنهما قالا : معنى الآية : { لئن شكرتم لأزيدنكم } من طاعتي وضعفه الطبري ، وليس كما قال : بل هو قوي حسن ، فتأمله .

قال القاضي أبو محمد : وقوله : { لئن شكرتم } هو جواب قسم يتضمنه الكلام .


[7011]:سبق أن شرح ابن عطية معنى [تأذن] في سورة الأعراف، واستشهد بهذا الجزء من البيت، راجع الجزء السادس صفحة 123 و ما بعدها. والعرب تضع تفعل موضع أفعل، فقالوا: أوعدته وتوعدته بمعنى واحد. والبيت المشهور في هذا هو قول القطامي: تعلم أن بعد الغي رشدا وأن لهذه الغير انقشاعا.