في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

وفي الختام يجيء ذلك الإيقاع الكوني الهائل ، فيربط موضوع السورة وتشريعاتها وتوجيهاتها بقدر الله وقدرة الله ، وعلم الله ، في المجال الكوني العريض :

( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، يتنزل الأمر بينهن ، لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) . .

والسماوات السبع لا علم لنا بحقيقة مدلولها وأبعادها ومساحاتها . وكذلك الأراضي السبع . فقد تكون أرضنا هذه التي نعرفها واحدة منهن والباقيات في علم الله . وقد يكون معنى مثلهن أن هذه الأرض من جنس السماوات فهي مثلهن في تركيبها أو خصائصها . . وعلى أية حال فلا ضرورة لمحاولة تطبيق هذه النصوص على ما يصل إليه علمنا ، لأن علمنا لا يحيط بالكون ، حتى نقول على وجه التحقيق : هذا ما يريده القرآن . ولن يصح أن نقول هكذا إلا يوم يعلم الإنسان تركيب الكون كله علما يقينيا . . وهيهات . . !

فننتفع بإيحاء هذه الإشارة إلى تلك الحقيقة في مجالها النفسي ، وفي إنشاء التصور الإيماني الكوني الصحيح .

والإشارة إلى هذا الكون الهائل : ( سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ) . . يهول الحس ويقف القلب وجها لوجه أمام مشهد من مشاهد قدرة الخالق ، وسعة ملكه ، تصغر أمامه هذه الأرض كلها ، فضلا على بعض ما فيها ، فضلا على حادث من أحداثها . فضلا على دريهمات ينفقها الزوج أو تتنازل عنها الزوجة !

وبين هذه السماوات السبع والأرض أو الأرضين السبع يتنزل أمر الله - ومنه هذا الأمر الذي هم بصدده في هذا السياق . فهو أمر هائل إذن ، حتى بمقاييس البشر وتصوراتهم في المكان والزمان بقدر ما يطيقون التصور . والمخالفة عنه مخالفة عن أمر تتجاوب به أقطار السماوات والأرضين ، ويتسامع به الملأ الأعلى وخلق الله الآخرون في السماوات والأرضين . فهي مخالفة بلقاء شنعاء ، لا يقدم عليها ذو عقل مؤمن ، جاءه رسول يتلو عليه آيات الله مبينات ، ويبين له هذا الأمر ، ليخرجه من الظلمات إلى النور . .

وهذا الأمر يتنزل بين السماوات والأرض ، لينشئ في قلب المؤمن عقيدة أن الله على كل شيء قدير ؛ فلا يعجزه شيء مما يريد . وأنه أحاط بكل شيء علما ؛ فلا يند عن علمه شيء مما يكون في ملكه الواسع العريض ، ولا مما يسرونه في حنايا القلوب .

ولهذه اللمسة قيمتها هنا من وجهين :

الأول أن الله الذي أحاط بكل شيء علما هو الذي يأمر بهذه الأحكام . فقد أنزلها وهو يحيط بكل ظروفهم وملابساتهم ومصالحهم واستعداداتهم . فهي أولى بالاتباع لا يلتفتون عنها أدنى التفات ؛ وهي من وضع العليم المحيط بكل شيء علما .

والثاني أن هذه الأحكام بالذات موكولة إلى الضمائر ، فالشعور بعلم الله واطلاعه على كل شيء هو الضمان لحساسية هذه الضمائر ، في شأن لا يجدي فيه شيء إلا تقوى الله العليم بذات الصدور .

وهكذا تختم السورة بهذا الإيقاع الذي يهول ويروع ، بقدر ما يحرك القلوب لتخبت وتطيع . فسبحان خالق القلوب ، العليم بما فيها من المنحنيات والدروب !

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

{ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن } في العدد ، { يتنزل الأمر بينهن } بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى . قال أهل المعاني : هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره ، فينزل المطر ويخرج النبات ، ويأتي بالليل والنهار والصيف والشتاء ، ويخلق الحيوان على اختلاف هيئاتها ، وينقلها من حال إلى حال . وقال قتادة : في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه . { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً } فلا يخفى عليه شيء .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

قوله تعالى : " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن " دل على كمال قدرته وأنه يقدر على البعث والمحاسبة . ولا خلاف في السموات أنها سبع بعضها فوق بعض ، دل على ذلك حديث الإسراء{[15112]} وغيره . ثم قال : " ومن الأرض مثلهن " يعني سبعا . واختلف فيهن على قولين : أحدهما : وهو قول الجمهور - أنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض ، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء ، وفي كل أرض سكان من خلق الله . وقال الضحاك : " ومن الأرض مثلهن " أي سبعا من الأرضين ، ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات . والأول أصح ؛ لأن الأخبار دالة عليه في الترمذي والنسائي وغيرهما . وقد مضى ذلك مبينا في " البقرة{[15113]} " . وقد خرج أبو نعيم قال : حدثنا محمد بن علي بن حبيش قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق السراج ، ( ح ){[15114]} وحدثنا أبو محمد{[15115]} بن حبان قال : حدثنا عبدالله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن كعبا حلف له بالذي فلق البحر لموسى أن صهيبا حدثه أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها : ( اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ) . قال أبو نعيم : هذا حديث ثابت من حديث موسى بن عقبة تفرد به عن عطاء . روي عنه ابن أبي الزناد وغيره .

وفي صحيح مسلم عن سعيد بن زيد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما فأنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين ) ومثله حديث عائشة ، وأبين منهما حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة ) . قال الماوردي : وعلى أنها سبع أرضين بعضها فوق بعض تختص دعوة أهل الإسلام بأهل الأرض العليا ، ولا تلزم من في{[15116]} غيرها من الأرضين وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز . وفي مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان : أحدهما - أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها . وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة . والقول الثاني : أنهم لا يشاهدون السماء ، وأن الله تعالى خلق لهم ضياء يستمدونه . وهذا قول من جعل الأرض كالكرة . وفي الآية قول ثالث حكاه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين منبسطة ، ليس : بعضها فوق بعض ، تفرق بينها البحار وتظل جميعهم السماء . فعلى هذا إن لم يكن لأحد من أهل الأرض وصول إلى أرض أخرى اختصت دعوة الإسلام بأهل هذه الأرض ، وإن كان لقوم منهم وصول إلى أرض أخرى احتمل أن تلزمهم دعوة الإسلام عند إمكان الوصول إليهم ؛ لأن فصل البحار إذا أمكن سلوكها لا يمنع من لزوم ما عم حكمه ، واحتمل ألا تلزمهم دعوة الإسلام لأنها لو لزمتهم لكان النص بها واردا ، ولكان صلى الله عليه وسلم بها مأمورا . والله أعلم ما استأثر بعلمه ، وصواب ما أشتبه على خلقه . ثم قال : " يتنزل الأمر بينهن " قال مجاهد : يتنزل الأمر من السموات السبع إلى الأرضين السبع . وقال الحسن : بين كل سماءين أرض وأمر . والأمر هنا الوحي ، في قول مقاتل وغيره . وعليه فيكون قوله : " بينهن " إشارة إلى بين هذه الأرض العليا التي ، هي أدناها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها . وقيل : الأمر القضاء والقدر . وهو قول الأكثرين . فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى : " بينهن " إشارة إلى ما بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها . وقيل : " يتنزل الأمر " بينهن " بحياة بعض وموت بعض وغنى قوم وفقر قوم . وقيل : هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره ، فينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنهار ، والصيف والشتاء ، ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيئاتها ، فينقلهم من حال إلى حال . قال ابن كيسان : وهذا على مجال اللغة وأتساعها ، كما يقال للموت : أمر الله ، وللريح والسحاب ونحوها . " لتعلموا أن الله على كل شيء قدير " يعني أن من قدر على هذا الملك العظيم فهو على ما بينهما من خلقه أقدر ، ومن العفو والانتقام أمكن ، وإن استوى كل ذلك ، في مقدوره ومكنته{[15117]} . " وأن الله قد أحاط بكل شيء علما " فلا يخرج شيء عن علمه وقدرته . ونصب " علما " على المصدر المؤكد ؛ لأن " أحاط " بمعنى علم . وقيل : بمعنى وأن الله أحاط إحاطة علما .

[ ختمت السورة بحمد الله وعونه ]{[15118]} .


[15112]:راجع جـ 10 ص 205.
[15113]:راجع جـ 1 ص 258.
[15114]:جرت عادة المحدثين أنه إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر، كتبوا عند الانتقال من إسناد "ح" وهي حاء مهملة مفردة" (راجع مقدمة النووي على صحيح مسلم).
[15115]:في ح، س: "وحدثنا محمد...".
[15116]:في أ، ح، س، ط، هـ: "فيمن".
[15117]:قوله: "ومكنته" يريد "إمكانه" ولم ترد في كتب اللغة.
[15118]:ما بين المربعين ساقط من ح، ط.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

ولم تقدم أن{[66209]} فائدة الذكر النقل من خلق إلى خلق ، وكان من المعلوم أن تحويل جبل من مكانه أيسر من تحويل شخص عن خلقه وشأنه ، وتقدم أن أجر المجاهدة في ذلك الجنات الموصوفة ، وكان ذلك يحتاج إلى قدرة تامة ، دل على قدرته سبحانه عليه بقوله : { الله } أي الذي له جميع صفات الكمال التي{[66210]} القدرة الشاملة إحداها{[66211]} ، ثم{[66212]} أخبر عنه بما يدل على ذلك لأن الصنعة تدل على الصانع وعلى ما له من الصفات فقال : { الذي خلق } أي أوجد وحده من العدم بقدرته على وفق ما دبر بعلمه على هذا المنوال البديع القريب { سبع سماوات } أي {[66213]}وإنهم يشاهدون{[66214]} عظمة ذلك ويشهدون أنه لا يقدر عليه إلا تام العلم كامل القدرة ، ثم زاد على ذلك ما أنتم أعرف به فقال : { ومن الأرض مثلهن } أي سبعاً كما دل عليه حديث سعيد بن زيد وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين{[66215]} " من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه طوقه من سبع أرضين " ولفظ ابن عمر رضي الله عنهما : خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين{[66216]} ، وقد تقدم في سورة السجدة ما ينفع{[66217]} في ذلك ، وظاهره يدل على أنها كما هي مثلها في العدد فهي مثلها في الكرية{[66218]} وإحاطة كل واحدة منها بالتي تحتها ، وأن التي نحن عليها هي السابعة العليا كالسماء{[66219]} السابعة{[66220]} التي سقفها الكرسي لأن{[66221]} ذلك أدل على ما{[66222]} السياق له من تمام العلم وشمول القدرة في الاستدلال عليه بقوله{[66223]} : { يتنزل } أي بالتدريج { الأمر } أي{[66224]} الذي يجود به الرحمن من التدبير من أمر الدين والتكوين من العرش والكرسي { بينهن } بالوحي من السماء السابعة العليا إلى الأرض السابعة السفلى وأنتم ترونهن بلا فروج فأنفذ بينهن حتى نفذ فيهن ، و{[66225]}ذلك - والله أعلم - هو ما يريد من عظيم تدبيره بإنزال{[66226]} الكتب وإرسال الرسل وإثبات شريعة ومحو أخرى وتوجيه الأسباب إلى المسببات من المطر والنبات والليل والنهار والفصول وخلق الحيوانات والمعادن وسائر النباتات ، وترديد الملائكة بسائر المصنوعات ، هذا ما دل عليه ظواهر الكتاب والسنة ، وأولها بعضهم بأنها سبعة أقاليم ، وهو مردود بعد القاعدة في أن التأويل بغير دليل لعب بما يأتي من صريح الحديث النبوي والكلام الضابط فيما يؤول وما لا يؤول أن النقليات أربعة أقسام : قطعي السند والدلالة ، ظنيهما{[66227]} ، ظني السند قطعي الدلالة ، عكسه : قطعي السند ظني الدلالة ، فالأول يجب اعتقاد ظاهره ، ومن خالفه كفر ، والبقية يجب اعتقاد ظواهرها ما لم تعارض ، فإن عورضت بقطعي وجب العدول عن الظاهر إجماعاً ، فمن اعتقده كفر ، ثم للناس بعد ذلك مذهبان : أما السلف فيفوضون المراد إلى الله تعالى ، وأما الخلف فإن كان لذلك محمل واحد عينوه ، وإن كان ثَم محامل سردوها ولم يعينوا شيئاً منها مع اعترافهم بأنهم ليسوا على قطع من أن المراد شيء مما ذكروه ، وإنما هو شيء يليق بالمقام {[66228]}والعلم عند{[66229]} الله وبأن طريق السلف {[66230]}أقرب و{[66231]}أسلم وبأنه ما حملهم على التأويل{[66232]} إلا انتشار المبتدعين وإشهارهم بدعتهم بين الناس ، قال الإمام علاء الدين القونوي رحمه الله تعالى في باب السير من شرحه الحاوي : قال الإمام - يعني إمام الحرمين : ولو بقي الناس على ما كانوا عليه من صفوة الإسلام لما أوجبنا التشاغل بعلم الكلام بل ربما نهينا عنه ، وأما الآن وقد ثارت البدع فلا سبيل إلى تركها تلتطم{[66233]} أمواجها فلا بد من إعداد ما يدعى به إلى المسلك الحق وتحل به الشبه ، فصار الاشتغال بأدلة المعقول وحل {[66234]}الشبه من{[66235]} فروض الكفايات ، ومن استراب في أصل من أصول الاعتقاد فعليه{[66236]} السعي في إزاحته{[66237]} إلى أن يستقيم عقده - انتهى .

ثم إنك تجد العلماء يختلفون في بعض الأدلة فبعضهم يجريها على الظاهر وبعضهم يؤول ، وذلك للاختلاف في المعارض هل هو قطعي الدلالة أم لا{[66238]} ، {[66239]}وهذا{[66240]} الموضع منه ، لإن ظواهر الكتاب والسنة{[66241]} تدل على أن الأرضين مثل السماوات في العدد في أن بينهما خلاء ، وفي{[66242]} أن في كل واحدة مخلوقات لا يعلمها إلا الله ، بل بعض الأخبار تكاد تقطع به في ذلك ، ولكنه لم يخرج عن أن يكون ظنياً فأكثر العلماء ومحققوهم على أن المعارض - وهو ما قاله أهل علم الهيئة من{[66243]} الأدلة على كونها واحدة - ليس بقطعي ، فأولوا كونها سبعة بالأقاليم{[66244]} السبعة ، وقد رأيت في التعدد حقيقة{[66245]} حديثاً صريحاً لكن لا أدري حاله{[66246]} ، {[66247]}ذكره ابن برجان{[66248]} في اسمه تعالى الملك من شرحه للأسماء الحسنى قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون ما تحت{[66249]} هذه الأرض ، قالوا{[66250]} : الله ورسوله أعلم ، قال : ماء{[66251]} ، أتدرون ما تحت ذلك ، قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال هواء ، أتدرون ما تحت ذلك : قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : أرض ، أتدرون ما تحت ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم{[66252]} - حتى عد سبع أرضين

ثم رأيته {[66253]}في الترمذي{[66254]} عن أبي رزين العقيلي ولفظه : " هل تدرون ما الذي تحتكم ، قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنها الأرض ، ثم قال : هل تدرون{[66255]} ما تحت ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إن تحتها أرضاً أخرى بينهما خمسمائة سنة - حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة " ثم رأيت في الفردوس{[66256]} عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما بين السماء إلى السماء مسيرة{[66257]} خمسمائة عام ، وعرض كل سماء وثخانة كل سماء خمسمائة عام ، وما بين السماء السابعة وبين الكرسي والعرش مثل ذلك ، وما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام ، والأرضون وعرضهن وثخانتهن مثل ذلك " .

ولما ذكر سبحانه الصنعة تنبيهاً على التفكر فيها والاعتبار بها ، ذكر أن ثمرتها العلم بصفاته بعد العجز عن إحاطة العلم عقب ذاته تعالى فقال{[66258]} : { لتعلموا } أي بهذا{[66259]} العالم الذي أوجده بتسوية كل واحد من القبيلين{[66260]} سبعاً كل واحدة بينها وبين الأخرى مسافة بعيدة مع الكثافة الزائدة وأنتم تعلمون أنه لا يفصل الجسم{[66261]} ولا سيما الكثيف عن آخر مثله إلا فاصل قاهر{[66262]} بقوة باهرة{[66263]} وقدرة ظاهرة وعلم شامل لما يحتاج إليه ذلك ، فكيف إذا كان على هذا المنهاج البديع والوجه المنيع على مر الدهور والأحقاب وتعاقب{[66264]} الشهور والأعوام على حساب معلوم ونظام منظوم ، لا يدركه إلا أعلى الناس حساباً وأعظمهم صواباً ، مع المنافع التي تفضل عن سكانها{[66265]} ، والمرافق التي تنزه الخالق بآثارها وأعيانها ، وتوقظ الغافل وتنبه الجاهل وتدمغ المعاند ببرهانها{[66266]} ، فإنه لا يسع{[66267]} أحداً المنازعة{[66268]} في خلقه لها ، ومن خلقها قدر على تدبيرها على الوجه المذكور ، ومن كان كذلك كان منزهاً عن الشريك قطعاً ، ومن كان كذلك قدر على كل شيء فلذا{[66269]} قال : { أن الله } أي الملك الأعلى الذي له الإحاطة كلها { على كل شيء } أي من غير هذا العالم ممكن أن يدخل تحت المشيئة فإنه بمعنى مفعول{[66270]} من عالم آخر مثل هذا العالم ، وأبدع منه وأبدع من ذلك الإبداع إلى ما لا نهاية له بالاستدلال بهذا العالم ، فإن من قدر على إيجاد ذرة من العدم قدر على إيجاد ما هو دونها ومثلها وفوقها إلى ما لا نهاية له لأنه لا {[66271]}فرق في ذلك بين قليل ولا كثير جليل أو حقير

{ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت }[ الملك : 3 ] وإياك أن تلتفت إلى من قال : إنه{[66272]} ليس في الإمكان أبدع{[66273]} من هذا العالم ، فإنه مذهب فلسفي خبيث ، والآية نص على إبطاله وإن نسبه بعض الملحدين{[66274]} إلى الغزالي {[66275]}فإني لا أشك{[66276]} أنه مدسوس عليه فإنه مذهب فلسفي خبيث بشهادة الغزالي كما بينت ذلك في كتابي " تهديم الأركان {[66277]}على من قال{[66278]} ليس في الإمكان أبدع مما كان " وكتابي " دلالة البرهان على أن في الإمكان أبدع مما كان " وكتابي{[66279]} " إطباق الأغلال في أعناق الضلال " ومع كونه مذهب الفلاسفة أخذه{[66280]} أكفر المارقين ابن عربي وأودعه{[66281]} فصوصه وغير ذلك من كتبه واستند فيه{[66282]} في بعضها إلى الغزالي إتقاناً لمكره - أعاذنا{[66283]} الله من شره ، والغزالي بريء منه بشهادة ما وجد من عقائده في الإحياء وغيره { قدير * } أي بالغ القدرة .

ولما كانت إحاطة العلم دالة على تمام القدرة وإليهما يرجع جميع الأسماء والصفات قال : ( وان الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال { قد أحاط } لتمام قدرته { بكل شيء } مطلقاً ، ولما أسند {[66284]}الإحاطة إليه{[66285]} سبحانه تعظيماً لها ، بين جهتها بتمييز محول{[66286]} عن الفاعل فقال : { علماً * } فله الخبرة التامة بما يأمر به من الأحكام في العلم بمصالحه ومفاسده فعاملوه معاملة من يعلم إحاطة علمه فيعلم أنه رقيب عليه فإذا طلقتم{[66287]} فافعلوا ما أمركم به لتسلموا في الدين وتسعدوا في الآخرة والأولى ، ودبروا في جميع أموركم مثل ما دبر به أمركم في تربيتكم ومسكنكم أرضه وسقفه فإنه جعل فيه جميع ما تحتاجونه وبسطه نواله على من يرضيه ومن يسخطه ونشر حلمه وفضله وأخر بأسه وعدله فقد عائق أخرها أولها وبين مجملها ومفصلها{[66288]} {[66289]}والله يعلم بذات الصدور{[66290]} .


[66209]:- زيد من ظ و م.
[66210]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذي به.
[66211]:- من ظ وم، وفي الأصل: أحدهما.
[66212]:- زيد من م.
[66213]:- من م، وفي الأصل وظ: أنتم تشاهدون.
[66214]:- من م، وفي الأصل وظ: أنتم تشاهدون.
[66215]:- راجع المظالم من صحيح البخاري والمساقاة من صحيح مسلم.
[66216]:- زيد من ظ وم.
[66217]:- زيد في الأصل: هنا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66218]:- من ظ وم، وفي الأصل: الكوية.
[66219]:- من ظ وم، وفي الأصل: كما أن السماء.
[66220]:- زيد في الأصل: هي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66221]:- من ظ وم، وفي الأصل: و.
[66222]:- زيد من ظ وم.
[66223]:- زيد من ظ وم.
[66224]:- زيد من ظ وم.
[66225]:- زيد من م.
[66226]:- من ظ وم، وفي الأصل: بإنزاله.
[66227]:- من ظ وم، وفي الأصل" ظنيها.
[66228]:- من ظ وم، وفي الأصل: ولا يعلمه إلا الله.
[66229]:- من ظ وم، وفي الأصل: ولا يعلمه إلا الله.
[66230]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66231]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66232]:- من ظ وم، وفي الأصل: التبديل.
[66233]:- من ظ وم، وفي الأصل: لينظم.
[66234]:- من ظ وم، وفي الأصل: حق.
[66235]:- من ظ وم، وفي الأصل: "و".
[66236]:- من م، وفي الأصل وظ: وعليه.
[66237]:- من ظ وم، وفي الأصل: لزالته.
[66238]:- زيد من ظ وم.
[66239]:- من ظ وم، وفي الأصل: إنه لا فعل.
[66240]:- من ظ وم، وفي الأصل: إنه لا فعل.
[66241]:- زيد من ظ وم.
[66242]:- زيد من م.
[66243]:- من ظ وم، وفي الأصل: مع أن.
[66244]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأقاليم.
[66245]:- زيد من ظ وم.
[66246]:- من ظ وم، وفي الأصل: ما حاله.
[66247]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذكره أبو حبان.
[66248]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذكره أبو حبان.
[66249]:- زيد في الأصل: الأرض، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66250]:- من ظ وم، وفي الأصل: قال.
[66251]:- زيد من ظ وم.
[66252]:- زيد من ظ وم.
[66253]:- في ظ: رايت.
[66254]:- راجع أيضا مسند الإمام أحمد 2/ 370.
[66255]:- من ظ وم، وفي الأصل: أتدرون.
[66256]:- راجع المخطوطة 250/ب.
[66257]:- زيد من ظ وم.
[66258]:- زيد من ظ وم.
[66259]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن هذا.
[66260]:- من م، وفي الأصل وظ: القبلتين.
[66261]:- زيد من ظ وم.
[66262]:- من ظ وم، وفي الأصل: ظاهر.
[66263]:- من ظ وم، وفي الأصل: قاهرة.
[66264]:- من ظ وم، وفي الأصل: عواقب.
[66265]:- من ظ وم، وفي الأصل: يكانها.
[66266]:- من ظ وم، وفي الأصل: بنزاهتها.
[66267]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يسمع.
[66268]:- من ظ وم، وفي الأصل: المعازة.
[66269]:- من ظ وم، وفي الأصل: فلذلك.
[66270]:- من ظ وم، وفي الأصل: مفعل.
[66271]:-زيد من ظ وم.
[66272]:-زيد من ظ وم.
[66273]:- بهامش الأصل: مطلب ما في الرد على من قال: ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم.
[66274]:- من ظ وم، وفي الأصل: المحدثين.
[66275]:- من ظ وم، وفي الأصل: فإنه لا شك.
[66276]:- من ظ وم، وفي الأصل: فإنه لا شك.
[66277]:- في ظ وم: من.
[66278]:- في ظ وم: من.
[66279]:- زيد من ظ وم.
[66280]:- من ظ وم، وفي الأصل: أكثره.
[66281]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66282]:- زيد من ظ وم.
[66283]:- في ظ وم: أعاذ.
[66284]:- من ظ وم، وفي الأصل: إليه الإحاطة.
[66285]:- من ظ وم، وفي الأصل: إليه الإحاطة.
[66286]:- من م، وفي الأصل وظ: محو.
[66287]:- من ظ وم، وفي الأصل: أطعتم.
[66288]:- من ظ وم، وفي الأصل: مفصلها ومجملها.
[66289]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66290]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

قوله تعالى : { الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزّل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } يبين الله للناس بالغ قدرته وعظيم سلطانه وجبروته ، فهو الخالق المهيمن المقتدر الذي خلق سبع سماوات طباقا ، أي بعضها فوق بعض { ومن الأرض مثلهنّ } مثلهن ، منصوب بتقدير فعل . أي ومن الأرض خلق مثلهن{[4572]} يعني وخلق من الأرض سبعا . واختلفوا في هيئة هذه الطبقات السبع من الأرض . فقد قيل : سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض ، وبين الواحدة والتي تليها مسافة عظيمة . وقيل : خلق الله سبعا من الأرضيين مطبق بعضها على بعض من غير فتوق بينها أو مسافات . و الله أعلم بالحقيقة والصواب .

قوله : { يتنزّل الأمر بينهن } المراد بالأمر المنزّل بين السماء والأرض ، قضاء الله وقدره . أو تصرفه في شؤون خلقه أو تدبير أمرهم من إنزال المطر وإخراج النبات وخلق الليل والنهار والحيوان والإنسان وغير ذلك من وجوه التدبير والخلق .

قوله : { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير } أي ليستبين لكم وتوقنوا أن الله قادر على فعل ما يشاء { وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } أي ولتعلموا وتوقنوا بأن الله محيط علمه بكل شيء .


[4572]:البيان لابن النباري جـ 2 ص 445.