في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

ثم يصور هولها وضخامتها في صنيعها بالمشاعر والتصورات ؛ وقياس الحياة الدنيا إليها في إحساس الناس وتقديرهم :

( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) . .

فهي من ضخامة الوقع في النفس بحيث تتضاءل إلى جوارها الحياة الدنيا ، وأعمارها وأحداثها ، ومتاعها ، وأشياؤها ، فتبدو في حس أصحابها كأنها بعض يوم . . عشية أو ضحاها !

وتنطوي هذه الحياة الدنيا التي يتقاتل عليها أهلها ويتطاحنون . والتي يؤثرونها ويدعون في سبيلها نصيبهم في الآخرة . والتي يرتكبون من أجلها ما يرتكبون من الجريمة والمعصية والطغيان . والتي يجرفهم الهوى فيعيشون له فيها . . تنطوي هذه الحياة في نفوس أصحابها أنفسهم ، فإذا هي عندهم عشية أو ضحاها .

هذه هي : قصيرة عاجلة ، هزيلة ذاهبة ، زهيدة تافهة . . أفمن أجل عشية أو ضحاها يضحون بالآخرة ? ومن أجل شهوة زائلة يدعون الجنة مثابة ومأوى !

ألا إنها الحماقة الكبرى . الحماقة التي لا يرتكبها إنسان . يسمع ويرى !

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

{ كأنهم } يعني كفار قريش ، { يوم يرونها } يعاينون يوم القيامة ، { لم يلبثوا } في الدنيا ، وقيل : في قبورهم ، { إلا عشيةً أو ضحاها } قال الفراء : ليس للعشية ضحى ، إنما الضحى اسم لصدر النهار ، ولكن هذا ظاهر من كلام العرب أن يقولوا : آتيك العشية أو غداتها ، إنما معناه : آخر يوم أو أوله ، نظيره : قوله { يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار }( الأحقاف- 35 ) .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

{ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا } في قبورهم { إلا عشية أو ضحاها } أي نهارها استقصروا مدة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

" كأنهم يوم يرونها " يعني الكفار يرون الساعة " لم يلبثوا " أي في دنياهم ، " إلا عشية " أي قدر عشية " أو ضحاها " أي أو قدر الضحا الذي يلي تلك العشية ، والمراد تقليل مدة الدنيا ، كما قال تعالى : " لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " [ الأحقاف : 35 ] . وروى الضحاك عن ابن عباس : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا يوما واحدا . وقيل : " لم يلبثوا " في قبورهم " إلا عشية أو ضحاها " ، وذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول . وقال الفراء : يقول القائل : وهل للعشية ضحا ؟ وإنما الضحا لصدر النهار ، ولكن أضيف الضحا إلى العشية ، وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب . يقولون : آتيك الغداة أوعشيتها ، وآتيك العشية أو غداتها ، فتكون العشية في معنى آخر النهار ، والغداة في معنى أول النهار . قال : وأنشدني بعض بني عقيل :

نحن صَبَحْنَا عامرا في دارها *** جُرْداً تَعَادَى طَرَفَي نهارِها

عشيةِ الهلالِ أو سِرارِهَا

أراد : عشية الهلال ، أو سرار العشية ، فهو أشد من آتيك الغداة أو عشيها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

ولما أثبت أنه منذر ، وكان أخوف الإنذار الإسراع ، قال مستأنفاً محقراً لهم الدنيا مزهداً لهم فيها : { كأنهم } أي هؤلاء المنكرين لصحة الإنذار بها { يوم يرونها } أي يعلمون قيامها علماً هو كالرؤية ويرون ما يحدث فيها بعد سماع الصيحة وقيامهم من القبور من علمهم بما مر من زمانهم وما يأتي{[71566]} منه { لم يلبثوا } أي في الدنيا و{[71567]}في القبور { إلا عشية } أي من الزوال إلى غروب الشمس .

ولما كانوا على غير ثقة من شيء مما يقولونه قال : { أو ضحاها * } أي ضحى عشية من العشايا وهو البكرة{[71568]} إلى الزوال ، والعشية ما بعد ذلك ، أضيف إليها الضحى لأنه من النهار ، ولإضافة تحصل بأدنى ملابسة ، وهي هنا كونهما من نهار واحد ، فالمراد ساعة من نهار أوله أو آخره ، لم يستكملوا نهاراً تاماً ولم يجمعوا بين طرفيه ، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم " ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع{[71569]} " وهذا تعبير لنا بما نحسه تقريباً لعقولنا وإن كانت القاعدة أنه لا نسبة لما يتناهى إلى ما لا يتناهى-{[71570]} على أن الكفار أيضاً يستقصرون مدة لبثهم ، فكأنهم أصناف : بعضهم يقول : إن لبثتم إلا عشراً ، وبعضهم يقول : إن لبثتم إلا يوماً ، وبعضهم يتحير فيقول : اسأل العادين ، أو أن تلك أقوالهم ، والحق من ذلك هو-{[71571]} ما أخبر الله به غير مضاف إلى أقوالهم من أن ما مضى لهم في جنب ما يأتي كأنه ساعة من نهار بالنسبة إلى النهار الكامل-{[71572]} كما قال تعالى في سورة يونس عليه الصلاة والسلام

{ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم }[ يونس : 45 ] على أن منهم من يقول ذلك أيضاً كما قال تعالى في سورة المؤمنين حين قال تعالى

{ كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا{[71573]} لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين }[ المؤمنون : 112 – 113 ] وذلك بالنسبة إلى ما كشف لهم عن أنهم يستقبلونه مما{[71574]} لا آخر له أو أنهم لما نزعتهم نفحة إسرافيل عليه الصلاة والسلام بيد القدرة من قبورهم غرقاً نزعاً شديداً فقاموا ورأوا تلك الأهوال وعلموا ما يستقبلونه من الأوجال استقصروا{[71575]} مدة لبثهم قبل ذلك لأن من استلذ شيئاً استقصر مدته وهم استلذوا ذلك وإن كان من أمرّ المرّ في جنب لهم عن أنهم{[71576]} لاقوه ، فقد رجع آخرها بالقيامة على أولها ، والتف مفصلها بنزع الأنفس اللوامة على موصلها ، واتصلت بأول ما بعدها من جهة الخشية والتذكر فيا طيب متصلها ، فسبحان من جعله{[71577]} متعانق المقاطع والمطالع ، وأنزله رياضاً محكمة المذاهب والمراجع ، والله{[71578]} سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب{[71579]} .


[71566]:من ظ و م، وفي الأصل: أتى.
[71567]:من ظ و م، وفي الأصل: أو.
[71568]:من ظ و م، وفي الأصل: من أول النهار.
[71569]:أخرجه ابن ماجه في الزهد- باب مثل الدنيا.
[71570]:زيد من ظ و م.
[71571]:زيد من ظ و م.
[71572]:زيد من ظ و م.
[71573]:تكرر في الأصل فقط.
[71574]:من ظ و م، وفي الأصل: عما.
[71575]:من ظ و م، وفي الأصل: استقروا.
[71576]:زيد في الأصل و ظ: والله أعلم، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[71577]:من ظ و م، وفي الأصل: لصه.
[71578]:في ظ و م: الموفق.
[71579]:في ظ و م: الموفق.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

{ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها }

{ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا } في قبورهم { إلا عشية أو ضحاها } عشية يوم أو بكرته وصح إضافة الضحى إلى العشية لما بينهما من الملابسة إذ هما طرفا النهار ، وحسن الإضافة وقوع الكلمة فاصلة .