التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

جواب عما تضمنه قوله : { يسئلونك على الساعة أيان مرساها } [ النازعات : 42 ] باعتبار ظاهر حال السؤال من طلب المعرفة بوقت حلول الساعة واستبطاء وقوعها الذي يرمون به إلى تكذيب وقوعها ، فأجيبوا على طريقة الأسلوب الحكيم ، أي إن طال تأخر حصولها فإنها واقعة وأنهم يوم وقوعها كأنه ما لبثوا في انتظار إلا بعض يوم .

والعشية : معبر بها عن مدة يسيرة من زمان طويل على طريقة التشبيه ، وهو مستفاد من { كأنَّهم } ، فهو تشبيه حالهم بحالة من لم يلبث إلا عشية ، وهذا التشبيه مقصود منه تقريب معنى المشبَّه من المتعارف .

وقوله : { أو ضحاها } تخيير في التشبيه على نحو قوله تعالى : { أو كصيب من السماء } في سورة البقرة ( 19 ) . وفي هذا العطف زيادة في تقليل المدة لأن حصة الضحى أقصر من حصة العشية .

وإضافة ( ضحى ) إلى ضمير ( العشية ) جرى على استعمال عربي شائع في كلامهم . قال الفراء : أضيف الضحى إلى العشية ، وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب يقولون : آتيك الغداة أو عشيتَها ، وآتيك العشية أو غداتَها ، وأنشدني بعض بني عُقيل :

نَحن صَبَّحنا عامراً في دَارها *** جُرْداً تَعَادَى طَرَفَيْ نَهَارِها

عشيَّة الهِلال أو سِرارها

أراد عشية الهلال أو عشية سرار العشية : فهو أشد من : آتيك الغداة أو عشيتها ا ه .

ومسوغُ الإِضافة أن الضحى أسبق من العشية إذ لا تقع عشية إلا بعد مرور ضحى ، فصار ضحى ذلك اليوم يعرَّف بالإِضافة إلى عشية اليوم لأن العشية أقرب إلى علم الناس لأنهم يكونون في العشية بعد أن كانوا في الضحى ، فالعشية أقرب والضحى أسبق .

وفي هذه الإِضافة أيضاً رعاية على الفواصل التي هي على حرف الهاء المفتوحة من { أيان مرساها } .

وبانتهاء هاته السورة انتهت سور طوال المفصل التي مبدؤها سورة الحجرات .