إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

وقولُه تعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضحاها } إما تقريرٌ وتأكيدٌ لما ينبئُ عنه الإنذارُ من سرعة مجيءِ المُنذَر بهِ ، لا سيَّما على الوجهِ الثَّانِي ، أيْ كأنَّهم يومَ يَرَونها لم يلبثُوا بعدَ الإنذارِ بها إلا عشيةَ يومٍ واحدٍ أو ضحاهُ فلما تُركَ اليومُ أضيفَ ضُحاه إلى عشيتِه ، وإمَّا ردٌّ لمَا أدمجُوه في سؤالِهم فإنَّهم كانُوا يسألونَ عنها بطريق الاستبطاءِ مستعجلينَ بها وإنْ كانَ على نهجِ الاستهزاءِ بهَا { وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين } [ سورة يونس ، الآية 47 ] فالمَعْنى كأنَّهم يومَ يَرَونها لم يلبثُوا بعدَ الإنذارِ أو بعدَ الوعيدِ بها إلا عشيةً أو ضُحاها . واعتبارُ كونِ اللبثِ في الدنيا أو القُبورِ لا يقتضيه المقامُ وإنَّما الذي يقتضيهِ اعتبارُ كونِه بعدَ الإنذارَ أو بعدَ الوعيدِ تحقيقاً للإنذارِ وردًّا لاستبطائِهم . والجملةُ على الأولِ حالٌ من الموصولِ فإنَّه على تقديرَيْ الإضافةِ وعدمِها مفعولٌ لمنذرُ كما أنَّ قولَه تعالى : { كَأَن لمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً منَ النهار } [ سورة يونس ، الآية 45 ] حالٌ من ضميرِ المفعولِ في يحشرُهم أي يحشرُهم مشبهينَ بمن لم يلبثْ في الدُّنيا إلا ساعةً خلا أن الشبهَ هناكَ في الأحوالِ الظاهرةِ من الزيِّ والهيئةِ وفيمَا نحنُ فيه في الاعتقاد كأنَّه قيلَ : تنذرُهم مشبهينَ يومَ يَرَونها في الاعتقادِ بمن لم يلبثْ بعد الإنذارِ بها إلا تلك المدةَ اليسيرةَ ، وعلى الثانِي مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعرابِ .

ختام السورة:

عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قرأَ سورةَ والنازعاتِ كانَ ممن حبسَهُ الله عزَّ وجلَّ في القبرِ والقيامةِ حتى يدخلَ الجنةَ قدرَ صلاةٍ مكتوبةٍ » . والله أعلمُ .