غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

1

ثم أخبر أنهم حين يرون الساعة يستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا . وقيل : في القبور . روى عطاء عن ابن عباس أن الهاء والألف صلة والمعنى لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى . وقال النحويون : فيه إضمار والتقدير إلا عشية أو ضحى يوم تلك العشية على أن الإضافة في { ضحاها } يكفي فيها أدنى ملابسة وهو هاهنا اجتماعهما في نهار واحد . قال صاحب الكشاف : فائدة الإضافة الدلالة على أن مدة لبثهم كأنها لم تبلغ يوماً كاملاً . قلت : سلمنا أن هذه الفائدة مفهومة من عبارة القرآن إلا أنها تحصل أيضاً بتقدير عدم الإضافة كما لا يخفى فلا يصح أن تسند الفائدة إلى الإضافة وحدها . فالوجه أن يقال : فائدة الإضافة أن يعلم أن مجموع الدنيا في ظنهم كيوم واحد وزمان لبثهم في الدنيا كساعة منه عشية أو ضحاها نظيره قول القائل " ما سرت إلا عشية أو ضحى " فإنه لا يفهم منه إلا السير في بعض يوما مّا ، وقد تكون العشية من يوم والضحى من يوم آخر . ولو قال " إلا عشية أو ضحاها " لم يمكن أن يكون السير إلا في أحد هذين الوقتين من يوم واحد . قال بعضهم : فائدة الترديد أن زمان المحنة يعبر عنه بالعشية وزمان الراحة يعبر عنه بالضحى فكأنه قيل : ما كان عمرنا في الدنيا إلا هاتين الساعتين . أقول : ويحتمل أن يقال إن مبدأ اليوم بليلته كان قبل شرعنا في أكثر الأديان من نصف النهار وقد صار المبدأ في شرعنا من أول الفجر وكأنهم حين أرادوا التعبير عن بعض اليوم . قالوا : إن كان المبدأ من نصف النهار فنحن لم نلبث إلا عشية وهو ما بعد الزوال إلى الغروب ، وإن كان المبدأ من أول الفجر فلم نلبث إلا من الفجر إلى الضحى فلعل هذا هو السر في تقديم العشية على الضحى مع رعاية الفاصلة والله أعلم بأسرار كلامه .

/خ46