في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (68)

48

عند ذلك أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل ، فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ :

( قالوا : حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ) . .

فيا لها من آلهة ينصرها عبادها ، وهي لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا ؛ ولا تحاول لها ولا لعبادها نصرا !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (68)

{ قالوا } أخذا في المضارة لما عجزوا عن المحاجة . { حرقوه } فإن النار أهول ما يعاقب به { وانصروا آلهتكم } بالانتقام لها . { إن كنتم فاعلين } إن كنتم ناصرين لها نصرا مؤزرا ، والقائل فيهم رجل من أكراد فارس اسمه هيون خسف به الأرض خسف به الأرض وقيل نمروذ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (68)

لما غلبهم بالحجة القاهرة لم يجدوا مَخلَصاً إلا بإهلاكه . وكذلك المبطل إذا قَرعَت باطلَه حجة فساده غضب على المحقّ ، ولم يبق له مفزع إلا مناصبتَه والتشفّي منه ، كما فعل المشركون من قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عجزوا عن المعارضة . واختار قوم إبراهيم أن يكون إهلاكه بالإحراق لأن النار أهول ما يعَاقب به وأفظعه .

والتحريق : مبالغة في الحرق ، أي حرقاً متلفاً .

وأسند قول الأمر بإحراقه إلى جميعهم لأنهم قبلوا هذا القول وسألوا ملِكهم ، وهو ( النمروذ ) ، إحراق إبراهيم فأمر بإحراقه لأن العقاب بإتلاف النفوس لا يملكه إلا ولاة أمور الأقوام . قيل الذي أشار بالرأي بإحراق إبراهيم رجل من القوم كُردي اسمه ( هينون ) ، واستحسن القومُ ذلك ، والذي أمر بالإحراق ( نمروذ ) ، فالأمر في قولهم { حرقوه مستعمل في المشاورة .

ويظهر أن هذا القول كان مؤامرة سرية بينهم دون حضرة إبراهيم ، وأنهم دبّروه ليبغتوه به خشيةَ هروبه لقوله تعالى : { وأرادوا به كيداً } [ الأنبياء : 70 ] .

ونمروذ هذا يقولون : إنه ابن ( كوش ) بن حَام بن نوح ، ولا يصح ذلك لبعد ما بين زمن إبراهيم وزمن ( كوش ) . فالصواب أن ( نمروذ ) من نسِل ( كوش ) . ويحتمل أن تكون كلمة ( نمروذ ) لقباً لملك ( الكلدان ) وليست عَلَماً . والمقدر في التاريخ أن مَلك مدينة ( أور ) في زمن إبراهيم هو ( ألغى بن أورخ ) وهو الذي تقدم ذكره عند قوله تعالى : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك } في [ سورة البقرة : 258 ] .

ونصر الآلهة بإتلاف عدوّها .

ومعنى { إن كنتم فاعلين } إن كنتم فاعلين النصر ، وهذا تحريض وتلهيب لحميتهم .