غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (68)

51

{ قالوا حرقوه } المشهور أن الذي أشار بتحريقه هو نمرود بن كنعان ابن سنجاريب بن نمرود بن كوش بن حام بن نوح . وقال مجاهد : سمعت ابن عمر يقول : إنه رجل من أعراب العجم يريد الأكراد . وعن ابن جريج عن وهب أن الذي قال هذا القول قد خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

روى مقاتل أن نمرود وقومه أجمعوا على إحراقه فحبسوه ثم بنوا بيتاً كالحظيرة بكوثى وهي من قرى الأنباط وذلك قوله { ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم } [ الصافات : 97 ] ثم جمعوا له الحطب الكثير أربعين يوماً حتى إن كانت المرأة لتمرض فتقول : إن عافاني الله لأجمعن حطباً لإبراهيم . فلما اشتعلت النار اشتدت وصار الهواء بحيث لو مر الطير في أقصى الهواء لاحترق ثم أخذوا إبراهيم ووضعوه في المنجنيق مقيداً مغلولاً فضجت السماء والأرض ومن فيهما من الملائكة إلا الثقلين ضجة واحدة : أي ربنا ليس في أرضك أحد يعبدك غير إبراهيم وإنه يحرق فيك ، فأذن لنا في نصرته ، فقال سبحانه : إن استغاث بأحد منكم فأغيثوه وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بيني وبينه . فلما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن الرياح وقال : إن شئت طيرت النار في الهواء فقال إبراهيم : لا حاجة لي إليك . ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل . وروي أنه قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك . ثم أتاه جبرائيل في الهواء فقال : يا إبراهيم هل لك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا . قال : فسل ربك . قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي : فأرسل الله ملائكة أخذوا بضبعيه وأقعدوه في الأرض ، فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس ولم تحرق النار منه إلا وثاقه . وأتاه جبرائيل بقميص من حرير الجنة وقال : يا إبراهيم إن ربك يقول : أما علمت أن النار لا تضر أحبائي . قال المنهال بن عمرو : أخبرت أن إبراهيم مكث في النار أربعين يوماً أو خمسين . وقال : ما كنت أياماً أطيب عيشاً مني إذ كنت فيها قلت : وذلك لاستغراقه في بحر الفيوض والآثار الربانية ولو لم يكن فيه إلا القرب من لطف خليله والبعد من قهر عدوه لكفى . ثم نظر نمرود من صرح له مشرف على إبراهيم فرآه جالساً في روضة ومعه جليس له من الملائكة والحطب يحترق حواليه فناداه يا إبراهيم : هل تستطيع أن تخرج منها ؟ قال : نعم . فقام يمشي حتى خرج . فقال نمرود : إني مقرب إلى ربك قرباناً فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم ، وكان إبراهيم عليه السلام إذ ذاك ابن ست عشرة سنة . قال العلماء : اختاروا العقاب بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه ولهذا جاء في الحديث " لا يعذب في النار إلا خالقها " ومن ثم قالوا { وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين } أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصراً قوياً فاختاروا له أشد العقاب وهو الإحراق وإلا كنتم مقصرين في نصرتها .

/خ91