إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (68)

{ قَالُواْ } أي قال بعضُهم لبعض لما عجَزوا عن المُحاجّة وضاقت عليهم الحِيلُ وعيَّت بهم العللُ ، وهكذا دَيدنُ المبطِلِ المحجوجِ إذا قَرَعْتَ شبُهتَه بالحجة القاطعة وافتُضِح لا يبقى له مفزِعٌ إلا المناصبةُ { حَرّقُوهُ } فإنه أشدُّ العقوبات { وانصروا آلِهَتَكُمْ } بالانتقام لها { إِن كُنتُمْ فاعلين } أي للنصر أو لشيء يُعتدّ به ، قيل : القائلُ نمرودُ بنُ كنعان بن السنجاريب بن نمرود بن كوسِ بن حام بن نوح ، وقيل : رجلٌ من أكراد فارسَ اسمُه هيون ، وقيل : هدير خُسِفت به الأرض ، روي أنهم لما أجمعوا على إحراقه عليه السلام بنَوا له حظيرةً بكُوثَى ، قرية من قرى الأنباط وذلك قوله تعالى : { قَالُواْ ابنوا لَهُ بنيانا فَأَلْقُوهُ في الجحيم } فجمعوا له صِلاب الحطب من أصناف الخشبِ مدةَ أربعين يوماً فأوقدوا ناراً عظيمة لا يكاد يحوم حولها أحدٌ ، حتى إن كانت الطير لتمرّ بها وهي في أقصى الجو فتحترق من شَدة وهَجِها ولم يكد أحد يحوم حولها . فلم يعلموا كيف يُلقونه عليه السلام فيها فأتى إبليسُ وعلمهم عمل المِنْجنيق فعمِلوه ، وقيل : صنعه لهم رجل من الأكراد فخسف الله تعالى به الأرضَ فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، ثم عَمدوا إلى إبراهيم عليه السلام فوضعوه فيه مغلولاً فرمَوا به فيها فقال له جبريلُ عليهما السلام : هل لك حاجةٌ ؟ قال : أما إليك فلا ، قال : فاسأل ربك ، قال : حسبي من سؤالي علمُه بحالي ، فجعل الله تعالى ببركة قوله الحظيرةَ روضةً وذلك قوله تعالى : { قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } .