بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (68)

قوله عز وجل : { قَالُواْ } ، يعني : قال ملكهم : { حَرّقُوهُ وانصروا ءالِهَتَكُمْ } ، يعني : انتقموا لآلهتكم ، { إِن كُنتُمْ فاعلين } به شيئاً ، فافعلوا فأمر النمرود أهل القرى أن يجمعوا له حطباً أياماً كثيرة ، وأمر بأن يبنى بنياناً ، فبنى حائطاً مستديراً وجمعوا الحطب ما شاء الله ، ثم أضرموا فيه النار ، فارتفعت النار حتى بلغت السماء في أعين الناظرين ؛ وكانت الطير تمر بها فيصيبها حر النار ، فلا تستطيع أن تجوز فيه فتقع ميتة . فلما أرادوا أن يلقوه فيها ، لم يستطيعوا لشدة حرها ، ولم يقدر أحد أن يدنو منها ، فبطل تدبيرهم وكادوا أن يتركوه .

حتى جاء إبليس عدو الله لعنه الله فدلهم على المنجنيق ؛ وهو أول منجنيق صُنِعَ وجاؤوا بإبراهيم ، فأوثقوا يديه وجعلوه في المنجنيق . وروي في الخبر : أن السموات والأرض والجبال بكوا عليه ، وبكت عليه ملائكة السموات ، وقالوا : ربنا عبدك إبراهيم يحرق فيك . فقال لهم : إن استغاث بكم فأغيثوه . فلما رمي في المنجنيق ، قال : حسبي الله ونعم الوكيل . فرمي به بالمنجنيق في الهواء ، فجعل يهوي نحو النار . فقال جبريل : يا رب ، عبدك إبراهيم يحرق فيك ، قال الله تعالى : إن استغاث بك فأَغِثْهُ . فأتاه جبريل وهو يهوي نحو النار ، فقال : أتطلب النجاة ؟ فقال : أما منك فلا .

قال : أفلا تسأل الله أن ينجيك منها ؟ فقال إبراهيم : حسبي من سؤالي علمه بحالي . فلما أخلص قلبه لله تعالى ، فعند ذلك قال الله تعالى : { قُلْنَا يا نَّارٍ كُونِى بَرْداً وسلاما على إبراهيم }