في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (43)

17

ويقول القرآن الكريم :

( ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ) . .

وتقول بعض الروايات : إن الله أحيا له أبناءه ووهب له مثلهم ، وليس في النص ما يحتم أنه أحيا له من مات . وقد يكون معناه أنه بعودته إلى الصحة والعافية قد استرد أهله الذين كانوا بالنسبة إليه كالمفقودين . وأنه رزقه بغيرهم زيادة في الإنعام والرحمة والرعاية . مما يصلح ذكرى لذوي العقول والإدراك .

والمهم في معرض القصص هنا هو تصوير رحمة الله وفضله على عباده الذين يبتليهم فيصبرون على بلائه وترضى نفوسهم بقضائه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (43)

ولما كان التقدير : ففعل اغتسل وشرب فبرأ ظاهره وسر باطنه ، عطف عليه قوله صارفاً القول إلى مظهر الجلال تنبيهاً على عظمة الفعل : { ووهبنا } أي بما لنا من العظمة { له أهله } أي الذين كان الشيطان سلط عليهم بأن أحييناهم ، وجمع اعتباراً بالمعنى لأنه أفخم وأقرب إلى فهم المراد فقال : { ومثلهم } وأعلم باجتماع الكل في آنٍ واحد فقال : { معهم } جددناهم له وليعلم من يسمع ذلك أنه لا عبرة بشيء من الدنيا وأنها وكل ما فيها عرض زائل لا ثبات له أصلاً إلا ما كان لنا ، فإنه من الباقيات الصالحات ، فلا يغير أحد بشيء منها ولا يشتغل عنا أصلاً ، ويعلم من هذا من صدقه القدروة على البعث بمجرد تصديقه له ومن توقف فيه سأل أهل الكتاب فعلم ذلك بتصديقهم له ، ثم علل سبحانه فعله ذلك بقوله : { رحمة } ولما كان في مقام الحث على الصبر عظم الأمر بقوله : { منا } فإنه أعظم من التعبير في سورة الأنبياء بعندنا ، ليكون ذلك أحث على لزوم الصبر ، وإذا نظرت إلى ختام الآيتين عرفت تفاوت العبارتين ولاح لك أن مقام الصبر لا يساويه شيء ، لأن الطريق إليه سبحانه لا ينفك شيء منه عن صبر وقهر للنفس وجبر ، لأنها بالإجماع خلاف ما تدعو إليه الطبائع { وذكرى } أي إكراماً وتذكيراً عظيماً { لأولي الألباب * } أي الأفهام الصافية ، جعلنا ذلك لرحمته ولتذكير غيره من الموصوفين على طول الزمان ليتأسى به كل مبتلى ويرجو مثل ما رجا ، فإن رحمة الله واسعة ، وهو عند القلوب المنكسرة ، فما بينه وبين الإجابة إلا حسن الإنابة ، فمن دام إقباله عليه أغناه عن غيره :

لكل شيء إذا فارقته عوض *** وليس لله إن فارقت من عوض

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (43)

قوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا } وَهَبَهُ الله غير أهله مثلهم ثم زاده مثلهم معهم . وقيل : أحياهم الله بعد ما أماتهم { رَحْمَةً مِنَّا } مفعول لأجله ؛ أي وهبنا له مثل أهله زيادة مثلهم آخرين برحمتنا له .

قوله : { وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ } أي كانت الرحمة منا لأيوب تذكيرا لأولي العقول النيرة كي يعتبروا ويتدبروا ويعلموا أن الله لا يخذل عباده المتقين الصابرين . أولئك الذين إذا أصابتهم المحن لم يجزعوا ولم ييأسوا بل تضرعوا إلى الله منيبين متذللين عسى أن يكشف عنهم ما نزل بهم من بلاء والله جل جلاله يتولى كشف الضرِّ عنهم والبلاء .

وهو سبحانه نصير المستضعفين المكروبين وظهير المغلوبين المقهورين من المؤمنين ، ومجيب الداعين الصابرين الثابتين على الحق ، السائرين على صراط الله المستقيم .