الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (43)

ثم قال تعالى : { ووهبنا له أهله ومثلهم معهم } .

قال مجاهد : رَدَّ الله عليه أهله وأعطاه مثلهم معهم في الآخرة{[58395]} .

وقال الحسن وقتادة : فأحيا الله جل وعز له أهله بأعيانهن وزاده في الدنيا مثلهم . ( وهو قول ابن مسعود{[58396]} ) .

وقيل : إنما رد الله عليه من غاب من أهله وولده{[58397]} مثل من مات منهم ، وأعطي من نسلهم مثلهم .

وقوله : { رحمة منا } أي : رحمناه رحمة{[58398]} .

وقال الزجاج : نصب رحمة على أنه مفعول له{[58399]} .

ثم قال : { وذكرى لأولي الألباب } أي : فعلنا به ذلك للرحمة وليتذكر وليتعظ{[58400]} به أولو العقول إذا ابتلوا فيصبروا كما صبر أيوب .

وروي أن{[58401]} أيوب{[58402]} كان نبيا في عهد يعقوب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر أيوب ثلاثا وتسعين سنة ، وذا{[58403]} الكفل هو ولد أيوب ، واسمه شبر{[58404]} بن أيوب . وفيه اختلاف ، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع .

وروى أنس{[58405]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثمان عشر{[58406]} سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه ، كانا{[58407]} من أخص إخوانه به ، كانا يغدوان إليه ويروحان . فقال أحدهما لصاحبه : تعلم ، والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين ! قال له صاحبه : وما ذاك ؟ ! قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به . فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له . فقال له{[58408]} أيوب : ما أدري ما تقول ، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران{[58409]} الله – أي : يحلفان به{[58410]} – فأرجع إلى بيتي ( فأكفر عنهما ){[58411]} كراهية أن يذكر الله إلا في حق . قال : وكان يخرج إلى حاجته ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، قال : فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحى الله جل ذكره إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك ، هذا مغتسل بارد وشراب . فاستبطأته فتلقته{[58412]} وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على خير ما كان . فلما رأته قالت : بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله . هذا المبتلى ؟ فوالله – على ذلك – ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا ! قال : فإني أنا هو ! ! .

قال : وكان له أندران{[58413]} : أندر القمح ، وأندر الشعير قال : فبعث الله عز وجل سحابتين ، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض ، وأفرغت الأخرى على أندر{[58414]} الشعير الورق حتى فاض{[58415]} .


[58395]:انظر: جامع القرطبي 11/326.
[58396]:متآكل في (ح)، انظر: جامع القرطبي 11/326.
[58397]:(ح): وولد له.
[58398]:عنى بذلك، أنه مصدر. انظر: مشكل إعراب القرآن 2/626.
[58399]:(ح): به، وانظر: معاني الزجاج 4/335.
[58400]:(ح): ويتعظ.
[58401]:في طرة (ح).
[58402]:(ح) أيوب صلى الله عليه وسلم.
[58403]:(ح): وذو.
[58404]:(ح): شير.
[58405]:هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه وعن الخلفاء الأربعة، وروى عنه قتادة والزهري وابن سيرين. توفي سنة 93 هـ. انظر: طبقات ابن سعد 7/17ت93 – وتذكرة الحفاظ 1/44 ت 23 – والإصابة 1/71 ت 277.
[58406]:كذا في (ع) و(ح)، عند ابن كثير: عشرة. 4/40.
[58407]:(ح): كان.
[58408]:ساقط من (ح).
[58409]:(ح): فيتذكران.
[58410]:ليست من متن الحديث. انظر: المستدرك وتفسير ابن كثير.
[58411]:(ح): فأكفرهما.
[58412]:(ح): فتعلنه.
[58413]:ساقط من (ح).
[58414]:(ح): (أنذر) في كل مواضع من هذا الحديث.
[58415]:أخرجه الحاكم 2/181 عن أنس مرفوعا. ثم قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وابن جرير في جامع البيان 23/107. عن أنس مرفوعا. وقال ابن حجر في فتح الباري 6/421: (وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وصححه ابن حبان والحاكم من طريق نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس أن أيوب...) وذكر الحديث بلفظ آخر.