البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (43)

{ ووهبنا له } ، ويدل على هذه المحذوفات معنى الكلام وسياقه .

وتقدم الكلام في الركض في سورة الأنبياء .

وعن قتادة والحسن ومقاتل : كان ذلك بأرض الجابية من الشأم .

ومعنى { هذا مغتسل } : أي ما يغتسل به ، { وشراب } ، أي ما تشربه ، فباغتسالك يبرأ ظاهرك ، وبشربك يبرأ باطنك .

والظاهر أن المشار إليه كان واحداً ، والعين التي نبعت له عينان ، شرب من إحداهما واغتسل من الأخرى .

وقيل : ضرب برجله اليمنى ، فنبعت عين حارة فاغتسل .

وباليسرى ، فنبعت باردة فشرب منها ، وهذا مخالف لظاهر قوله : { مغتسل بارد } ، فإنه يدل على أنه ماء واحد .

وقيل : أمر بالركض بالرجل ، ليتناثر عنه كل داء بجسده .

وقال القتبي : المغتسل : الماء الذي يغتسل به .

وقال مقاتل : هو الموضع الذي يغتسل فيه .

وقال الحسن : ركض برجله ، فنبعت عين ماء ، فاغتسل منها ، ثم مشى نحواً من أربعين ذراعاً ، ثم ركض برجله ، فنبعت عين ، فشرب منها .

قيل : والجمهور على أنه ركض ركضتين ، فنبعت له عينان ، شرب من إحداهما ، واغتسل من الأخرى .

والجمهور : على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله ، وعافى المرضى ، وجمع عليه من شتت منهم .

وقيل : رزقه أولاداً وذرية قدر ذريته الذين هلكوا ، ولم يردّ أهله الذين هلكوا بأعيانهم ، وظاهر هذه الهيئة أنها في الدنيا .

وقيل ذلك وعد ، وتكون تلك الهيئة في الآخرة .

وقيل : وهبه من كان حياً منهم ، وعافاه من الأسقام ، وأرغد لهم العيش ، فتناسلوا حتى تضاعف عددهم وصار مثلهم .

و { رحمة } ، { وذكرى } : مفعولان لهما ، أي أن الهبة كانت لرحمتنا إياه ، وليتذكر أرباب العقول ، وما يحصل للصابرين من الخير ، وما يؤول إليه من الأجر .

وفي الكلام حذف تقديره : وكان حلف ليضربن امرأته مائة ضربة لسبب جرى منها ، وكانت محسنة له ،