تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (43)

قوله تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ } اختلف أهل التأويل فيه :

قال بعضهم : ووهب له أهله ، أي أحيى من هلك من أهله وماله ، وزاد له على ذلك ضعفهم في الدنيا رحمة منه وفضلا . والحسن يقول كهذا : إنه أحباهم له بأعيانهم ، وزاده مثلهم معهم .

وقال بعضهم : قيل له : يا أيوب إن أهلك في الجنة ، فإن شئت آتيناك بهم ، وإن شئت تركناهم لك في الجنة ، وعوضناك مثلهم معهم ، قال : لا بل اتركوهم في الجنة ، فتركوا له في الجنة ، وعوض مثلهم في الدنيا . ولله أن يحيي من شاء بعد ما أماته ، وله أن يؤجر على ذلك ما شاء . ألا ترى أنه قال على إثره : { رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ } ؟

دل قوله : { رحمة منا } على أنه كشف الضر عن أيوب ، وأعطاه ما أعطاه رحمة منه وفضلا ونعمة ؛ كان له ألا يكشف الضر عنه ، وألا يرد عليه أهله ، ولا يزيد له .

وهو على المعتزلة لأنه لا يخلو إما أن يكون ما أعطى ، ورد عليه ، أصلح له ، وقد أخبر أنه برحمته كان ذلك له وفضل منه . ولو كان عليه حفظ الأصلح له في الدين كان في تركه ومنعه جائرا عندهم ظالما ، وإما أن يكون منعه ذلك عنه أصلح له ، فأعطاه ، وترك الأصلح له . فدل أن ليس على الله حفظ الأصلح في الدين ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ } أي ذكرى وعظة لمن ينتفع باللب ليعلم أن ليس التضييق لمقت منه ، وسخطه لمن ضيق عليه ، ولا في التوسيع رضا منه ، ولكن محنتان ، يمتحن من يشاء الشدة والبلاء ومن شاء بالسعة والرخاء .