وإلى هنا أجمل مصير عاد وثمود . وهو واحد . إذ انتهى هؤلاء وهؤلاء إلى الأخذ بالصاعقة . ثم فصل قصة كل منهما بعض التفصيل :
( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق . وقالوا : من أشد منا قوة ? ) . .
إن الحق أن يخضع العباد لله ، وألا يستكبروا في الأرض ، وهم من هم بالقياس إلى عظمة خلق الله . فكل استكبار في الأرض فهو بغير الحق . استكبروا واغتروا ( وقالوا : من أشد منا قوة ? ) . .
وهو الشعور الكاذب الذي يحسه الطغاة . الشعور بأنه لم تعد هناك قوة تقف إلى قوتهم . وينسون :
أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ? . .
إنها بديهة أولية . . إن الذي خلقهم من الأصل أشد منهم قوة . لأنه هو الذي مكن لهم في هذا القدر المحدود من القوة . ولكن الطغاة لا يذكرون :
{ بغير الحق } : أي بغير أن يأذن الله لهم بذلك العلو والاستكبار والتَّجبُّر .
وقوله : { وقالوا من أشد منا قوة } وهذا منهم تحد صريح وعلو وعتو واضحان ، ولذا تحداهم الله تعالى بالقوة فقال عز وجل أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أي أعَموا ولم يروا أن الله الذي خلقهم قطعا هو أشد منهم قوة : إذ كل قوة لهم مصدرها الله هو خالقهم وواهب القوة لهم ، فقوتهم ليست ذاتية ولكنها موهوبة إذ يُخلق أحدهم وهو لا يقدر على دفع أدنى شيء عن نفسه وقوله : وكانوا بآياتنا يجحدون هذا تسجيل عيهم أكبر ذنب وهو جحودهم بآيات الله التي جاء بها رسول الله هود عليه السلام كما جحدت قريش آيات الله ،
قوله :{ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة } وذلك أن هوداً عليه السلام هددهم بالعذاب ، فقالوا : من أشد منا قوة ؟ نحن نقدر على دفع العذاب عنا بفضل قوتنا ، وكانوا ذوي أجسام طوال . { قال الله تعالى رداً عليهم : { أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون . }
ولما جمعهم فيما اجتمعوا فيه حتى كأنهم تواصوا به ، فصل ما اختلفوا فيه فقال مسبباً عما مضى من مقالهم : { فأما عاد } أي قوم هود عليه الصلاة والسلام { فاستكبروا } أي طلبوا الكبر وأوجدوه { في الأرض } أي كلها التي كانوا فيها بالفعل وبقيتها بالقوة ، أو في الكل بالفعل لكونهم ملكوها كلها . ولما كان الكبر قد يكون بالحق كما على من خالف أمر الله قال : { بغير الحق } أي الأمر الذي يطابقه الواقع ، وهو إنكار رسالة البشر ، فإن الواقع إرسالهم { وقالوا } أي وضموا إلى استكبارهم على قبول ما جاءهم من الحق أن قالوا متعاظمين على أمر الله بما أتاهم الله من فضله : { من أشد منا قوة } فنحن نقدر على دفع ما يأتي من العذاب الذي يهددنا به هود عليه الصلاة والسلام لأنهم كانوا أشد الناس قوى وأعظمهم أجساماً .
ولما كان التقدير أن يقال إنكاراً عليهم : ألم يروا أن الله لو شاء لجعلهم كغيرهم ، عطف عليه قوله : { أو لم يروا } أي يعلموا علماً كما هو كالمشاهدة لأنه غريزة في الفطرة الأولى فهو علم ضروري { أنّ الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { الذي خلقهم } ولم يكونوا شيئاً { هو أشد منهم قوة } ومن علم أن غيره أقوى منه وكان عاقلاً انقاد له فيما ينفعه ولا يضره ، واجتماع قوتهم التي هي شدة البنية وقوته سبحانه التي هي كمال القدرة وهي صفة قديمة قائمة بذاته سبحانه إنما هو في الآثار الناشئة عن القوة ، فلذلك جمعاً بأشد .
ولما بين أنهم أوجدوا الكبر ، عطف عليه من غرائزهم ما هو أصل لكل سوء ، فقال مبيناً فرط جهلهم باجترائهم على العظمة التي شأنها قصم الظالم وأخذ الآثم : { وكانوا } أي طبعاً لهم { بآياتنا } على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا { يجحدون * } أي ينكرون إنكاراً يضمحل عنده كل إنكار عناداً مع علمهم بأنها من عندنا
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.