واعلم أنه تعالى لما بين كفر قوم عاد وثمود على الإجمال بين خاصية كل واحدة من هاتين الطائفتين فقال : { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق } وهذا الاستكبار فيه وجهان ( الأول ) إظهار النخوة والكبر ، وعدم الالتفات إلى الغير ( والثاني ) الاستعلاء على الغير واستخدامهم ، ثم ذكر تعالى سبب ذلك الاستكبار وهو أنهم قالو { من أشد منا قوة } وكانوا مخصوصين بكبر الأجسام وشدة القوة ، ثم إنه تعالى ذكر ما يدل على أنه لا يجوز لهم أن يغتروا بشدة قوتهم ، فقال : { أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } يعني أنهم وإن كانوا أقوى من غيرهم ، فالله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ، فإن كانت الزيادة في القوة توجب كون الناقص في طاعة الكامل ، فهذه المعاملة توجب عليهم كونهم منقادين لله تعالى ، خاضعين لأوامره ونواهيه .
واحتج أصحابنا بهذه الآية على إثبات القدرة لله ، فقالوا القوة لله تعالى ويتأكد هذا بقوله { الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } يدل على إثبات القوة لله تعالى ويتأكد هذا بقوله { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } فإن قيل صيغة أفعل التفضيل إنما تجري بين شيئين لأحدهما مع الآخر نسبة ، لكن قدرة العبد متناهية وقدرة الله لا نهاية لها ، والمتناهي لا نسبة له إلى غير المتناهي ، فما معنى قوله إن الله أشد منهم قوة ؟ قلنا هذا ورد على قانون قولنا الله أكبر .
ثم قال : { وكانوا بئاياتنا يجحدون } والمعنى أنهم كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوا كما يجحد المودع الوديعة .
واعلم أن نظم الكلام أن يقال : أما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وكانوا بآياتنا يجحدون ، وقوله { وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } واعتراض وقع في البين لتقرير السبب الداعي لهم إلى الاستكبار .
واعلم أنا ذكرنا أن مجامع الخصال الحميدة الإحسان إلى الخلق والتعظيم للخالق ، فقوله { استكبروا في الأرض بغير الحق } مضاد للإحسان إلى الخلق وقوله { وكانوا بئاياتنا يجحدون } مضاد للتعظيم للخالق ، وإذا كان الأمر كذلك فهم قد بلغوا في الصفات المذمومة الموجبة للهلاك والإبطال إلى الغاية القصوى .
فلهذا المعنى سلط الله العذاب عليهم فقال : { فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.