اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَمَّا عَادٞ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُواْ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (15)

قوله تعالى : { فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق } قيل : هذا الاستكبار إظهار العُجِبِ والتّيِه وعدم الالتفات إلى الغير . وقيل : الاستعلاء على الناس واستخدامهم . ثم ذكر تعالى سبب ذلك الاستكبار وهو قولهم : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } وكانوا ذوي أجسام طوال ، وقوة شديدة .

ثم إنه تعالى ذكر ما يدل على أنهم لا يجوز لهم أن يغتروا بشدة قوتهم فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } وإن كانت الزيادة في القوة توجب كون الناقص في طاعة الكامل فيجب عليهم الانقياد لله تعالى والخضوع لأوامره ونواهيه .

فإن قيل : صيغة أفعل التفضيل إنما تجري بين شيئين لأحدهما نسبة إلى الآخر لكن قدرة العبد متناهية ، وقدرة الله لا نهاية لها والمتناهي لا نسبة لها{[48660]} إلى غير المتناهي فما معنى قوله : «أنَّ الله أَشَدَّ منْهُمْ قوة » ؟ .

فالجواب : هذا ورد على قانون قولنا : الله أكبر{[48661]} ، ثم قال : { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } والمعنى أنهم يعرفون أنها حق ولكنهم يجحدونها كما يجحد المُودَعُ الوَدِيعةَ{[48662]} .

واعلم أنَّ نظم الكلام أن يقال : أما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وكانوا بآياتنا يجحدون ، وأما قولهم : { مَنْ أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة{[48663]} } اعتراض وقع في البين{[48664]} لتقرير الداعي إلى الاستكبار .


[48660]:كذا في أ وفي ب والرازي له وهو الأصح.
[48661]:أي أن أفعل ليست للتفضيل فهو هنا بمعنى كبير كالبيت المشهور: "وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم....البيت".
[48662]:قاله الرازي 27/112 والزمخشري في الكشاف 3/449.
[48663]:من لفظ "بين" الظرفية.
[48664]:الرازي السابق.