البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَمَّا عَادٞ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُواْ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (15)

ولما بين تعالى كفر عاد وثمود على الإجمال ، فصل بعد ذلك ، فذكر خاصية كل واحدة من الطائفتين .

فقال : { فأما عاد فاستكبروا } : أي تعاظموا عن امتثال أمر الله وعن ما جاءتهم به الرسل ، { بغير الحق } : أي بغير ما يستحقون .

ولما ذكر لهم هذا الذنب العظيم ، وهو الاستكبار ، وكان فعلاً قلبياً ، ذكر ما ظهر عليهم من الفعل اللساني المعبر عن ما في القلب ، { وقالوا من أشد منا قوة } : أي لا أحد أشد منا ، وذلك لما أعطاهم الله من عظم الخلق وشدة البطش .

فرد الله تعالى عليهم بأن الذي أعطاهم ذلك هو أشد منهم قوة ، ومع علمهم بآيات الله ، كانوا يجحدونها ولا يعترفون بها ، كما يجحد المودع الوديعة من طالبها مع معرفته بها .

ولفظه كان في كثير من الاستعمال تشعر بالمداومة ، وعبر بالقوة عن القدرة ، فكما يقال : الله أقدر منهم ، يقال : الله أقوى منهم .

فالقدرتان بينهما قدر مشترك ، وإن تباينت القدرتان بما لكل منهما من الخاصة .

كما يوصف الله تعالى بالعلم ، ويوصف الإنسان بالعلم .