في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

9

( والله الذي أرسل الرياح ، فتثير سحاباً ، فسقناه إلى بلد ميت ، فأحيينا به الأرض بعد موتها . كذلك النشور ) .

وهذا المشهد يتردد في معرض دلائل الإيمان الكونية في القرآن . مشهد الرياح ، تثير السحب ؛ تثيرها من البحار ، فالرياح الساخنة هي المثيرة للبخار ؛ والرياح الباردة هي المكثفة له حتى يصير سحاباً ؛ ثم يسوق الله هذا السحاب بالتيارات الهوائية في طبقات الجو المختلفة ، فتذهب يميناً وشمالاً إلى حيث يريد الله لها أن تذهب ، وإلى حيث يسخرها ويسخر مثيراتها من الرياح والتيارات ، حتى تصل إلى حيث يريد لها أن تصل . . إلى بلد ميت . . مقدر في علم الله أن تدب فيه الحياة بهذا السحاب . والماء حياة كل شيء في هذه الأرض . ( فأحيينا به الأرض بعد موتها ) . . وتتم الخارقة التي تحدث في كل لحظة والناس في غفلة عن العجب العاجب فيها . وهم مع وقوع هذه الخارقة في كل لحظة يستبعدون النشور في الآخرة . وهو يقع بين أيديهم في الدنيا . . ( كذلك النشور ) . . في بساطة ويسر ، وبلا تعقيد ولا جدل بعيد !

هذا المشهد يتردد في معرض دلائل الإيمان الكونية في القرآن لأنه دليل واقعي ملموس ، لا سبيل إلى المكابرة فيه . ولأنه من جانب آخر يهز القلوب حقاً حين تتملاه وهي يقظى ؛ ويلمس المشاعر لمساً موحياً حين تتجه إلى تأمله . وهو مشهد بهيج جميل مثير . وبخاصة في الصحراء حيث يمر عليها الإنسان اليوم وهي محل جدب جرداء . ثم يمر عليها غداً وهي ممرعة خضراء من آثار الماء . والقرآن يتخذ موحياته من مألوف البشر المتاح لهم ، مما يمرون عليه غافلين . وهو معجز معجب حين تتملاه البصائر والعيون .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

شرح الكلمات :

{ فتثير سحاباً } : أي تزعجه وتحركه بشدة فيجتمع ويسير .

{ فسقناه إلى بلد ميت } : أي لا نبات به .

{ فأحيينا به الأرض } : أي بالنبات والعشب والكلأ والزرع .

{ كذلك النشور } : أي البعث والحياة الثانية .

المعنى :

{ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً } أي تزعجه وتحركه . { فسقناه إلى بلد ميّت } أي لا نبات ولا زرع به { فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور } أي كما أن الله تعالى ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها كذلك يحي الموتى إذ بعد فناء العالم ينزل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت الإِنسان من عظم يقال له عَجُبُ فيتم خلقه ، ثم يرسل الله تعالى الأرواح فتدخل كل روح في جسدها فلا تخطئ روح جسدها .

وهكذا كما تتم عملية إحياء الأرض بالنبات تتم عملية إحياء الأموات ويساقون إلى المحشر ويجزى كل نفس بما كسبت والله سريع الحساب .

الهداية :

من الهداية :

- عملية إحياء الأرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياءً بعد موتهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

ولما أخبر تعالى أنه لا بد من إيجاد ما وعد به من البعث وغيره ، وحذر كل التحذير من التهاون بأمره ، وأنكر التسوية بين المصدق به والمكذب ، وكان السبب في الضلال المميت للقلوب الهوى الذي يغشى سماء العقل ويعلوه بسحابه المظلم فيحول بينه وبين النفوذ ، وكان السبب في السحاب المغطي لسماء الأرض المحيي لميت الحبوب الهوى ، وكان الإتيان به في وقت دون آخر دالاً على القدرة بالاختيار ، قال عاطفاً على جملة { إن وعد الله حق } المبني على النظر ، وهو الإخراج من العدم مبيناً لقدرته على ما وعد به : { والله } أي الذي له صفات الكمال لا شيء غيره من طبيعة ولا غيرها { الذي } ولما كان المراد الإيجاد من العدم ، عبر بالماضي مسنداً إليه لأنه الفاعل الحقيقي فقال : { أرسل الرياح } أي أوجدها من العدم مضطربة فيها ، أهلية الاضطراب والسير ليصرفها كيف شاء لا ثابتة كالأرض ، وأسكنها ما بين الخافقين لصلاح مكان الأرض .

ولما كانت إثارتها تتجدد كلما أراد أن يسقي أرضاً ، قال مسنداً إلى الرياح لأنها السبب ، معبراً بالمضارع حكاية للحال لتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على تمام القدرة ، وهكذا تفعل العرب فيما فيه غرابة تنبيهاً للسامع على ذلك وحثّاً له على تدبره وتصوره : { فتثير } أي بتحريكه لها إذا أراد { سحاباً } أي أنه أجرى سبحانه سنته أن تظهر حكمته بالتدريج .

ولما كان المراد الاستدلال على القدرة على البعث ، وكان التعبير بالمضارع يرد التعنت ، عبر بالمضارع . ولما كان سوق السحاب إلى بلد دون آخر وسقيه لمكان دون مكان من العظمة بمكان ، التفت عن الغيبة وجعله في مظهر العظمة فقال : { فسقناه } أي السحاب معبراً بالماضي تنبيهاً على أن كل سوق كان بعد إثارتها في الماضي والمستقبل منه وحده أو بواسطة من أقامه لذلك من جنده من الملائكة أو غيرهم ، لا من غيره ، ودل على أنه فرق بين البعد والقرب بحرف الغاية فقال : { إلى بلد ميت } .

ولما كان السبب في الحياة هو السحاب بما ينشأ عنه من الماء قال : { فأحيينا به الأرض } ولما كان المراد إرشادهم إلى القدرة على البعث الذي هم به مكذبون ، قال رافعاً للمجاز بكل تقدير وموضحاً كل الإيضاح للتصوير : { بعد موتها } ولما أوصل الأمر إلى غايته ، زاد في التنبيه على نعمة الإيجاد الثاني بقوله : { كذلك } أي مثل الإحياء لميت النبات { النشور * } حسّاً للأموات ، ومعنى للقلوب والنبات ، قال القشيري : إذا أراد إحياء قلب يرسل أولاً رياح الرجاء ، ويزعج بها كوامن الإرادة ، ثم ينشىء فيه سحاب الاهتياج ، ولوعة الانزعاج ، ثم يأتي مطر الحق فينبت في القلب أزهار البسط وأنوار الروح ، ويطيب لصاحبه العيش إلى أن تتم لطائف الإنس .