وفي الختام يجيء هذا الإيقاع العام :
( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) .
يجيء هتافا للذين آمنوا باسم الإيمان ، وبالصفة التي تميزهم عن سائر الأقوام ، إذ تصلهم بالله وتفصلهم عن أعداء الله .
وقد وردت بعض الروايات بأن المقصود بالقوم الذين غضب الله عليهم هم اليهود ، استنادا إلى دمغهم بهذه الصفة في مواضع أخرى من القرآن . ولكن هذا لا يمنع من عموم النص ليشمل اليهود والمشركين الذين ورد ذكرهم في السورة ، وكل أعداء الله . وكلهم غضب عليه الله . وكلهم يائس من الآخرة ، لا يعلق بها رجاء ، ولا يحسب لها حسابا كيأس الكفار من الموتى - أصحاب القبور - لاعتقادهم أن أمرهم انتهى ، وما عاد لهم من بعث ولا حساب .
وهو هتاف يتجمع من كل إيقاعات السورة واتجاهاتها . فتختم به كما بدأت بمثله . ليكون هو الإيقاع الأخير . الذي تترك السورة أصداءه في القلوب . .
{ لا تتولوا قوما غضب الله عليهم } يعني : اليهود وكان بعض فقراء المسلمين يتودد إليهم ليصيبوا من أموالهم ، وقيل : يعني : كفار قريش ، والأول أظهر لأن الغضب قد صار عرفا لليهود كقوله : { غير المغضوب عليهم } [ الفاتحة : 7 ] .
{ قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } من قال إن القوم الذين غضب الله عليهم هم اليهود ، فمعنى { يئسوا من الآخرة } يئسوا من خير الآخرة والسعادة فيها ومن قال إن القوم الذين غضب الله عليهم هم كفار قريش ، فالمعنى يئسوا من وجود الآخرة ، وصحتها لأنهم مكذبون بها تكذيبا جزما وقوله : { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يريد كما يئس الكفار المكذبون بالبعث من بعث أصحاب القبور فقوله : { من أصحاب } يتعلق ب{ يئس } وهو على حذف مضاف .
والآخر : أن يكون من أصحاب القبور لبيان الجنس أي : كما يئس الذين في القبور من سعادة الآخرة لأنهم تيقنوا أنهم يعذبون فيها .
قوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الأخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } .
نهى الله عباده المؤمنين عن موالاة المغضوب عليهم من اليهود . وقيل : إن أناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم فنهاهم الله عن ذلك . فليس لمسلم بعد ذلك أن يصانع الكافرين على اختلاف مللهم وأديانهم أو يوادهم ويلاطفهم وهم يظهرون العداوة والكراهية للإسلام ، ويعلنون على المسلمين الحرب والمناهضة لإضعافهم وإذلالهم .
قوله : { قد يئسوا من الأخرة } يئس هؤلاء الكفار أن يكون لهم حظ في الآخرة لعنادهم وجحدهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه عندهم في التوراة . قوله : { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } في تأويل ذلك قولان .
أحدهما : كما يئس الأحياء الكافرون من قراباتهم الذين في القبور أن يجتمعوا بهم بعد أن ماتوا ، لأنهم ينكرون البعث ويكذبون بيوم التلاق .
ثانيهما : كما يئس الكفار الذين في القبور من كل خير أو منجاة . لأن الكافرين إذ ماتوا وأيقنوا أنهم خاسرون وعاينوا منازلهم في النار حينئذ يبلسون وييأسون من كل خير {[4521]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.