في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

ثم جاء عيسى بن مريم . جاء يقول لبني إسرائيل :

( يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ) . .

فلم يقل لهم : إنه الله ، ولا إنه ابن الله ، ولا إنه أقنوم من أقانيم الله .

( مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) . .

في هذه الصيغة التي تصور حلقات الرسالة المترابطة ، يسلم بعضها إلى بعض ، وهي متماسكة في حقيقتها ، واحدة في اتجاهها ، ممتدة من السماء إلى الأرض ، حلقة بعد حلقة في السلسلة الطويلة المتصلة . . وهي الصورة اللائقة بعمل الله ومنهجه . فهو منهج واحد في أصله ، متعدد في صوره ، وفق استعداد البشرية وحاجاتها وطاقاتها ، ووفق تجاربها ورصيدها من المعرفة حتى تبلغ مرحلة الرشد العقلي والشعوري ، فتجيء الحلقة الأخيرة في الصورة الأخيرة كاملة شاملة ، تخاطب العقل الراشد ، في ضوء تلك التجارب ، وتطلق هذا العقل يعمل في حدوده ، داخل نطاق المنهج المرسوم للإنسان في جملته ، المتفق مع طاقاته واستعداداته .

وبشارة المسيح بأحمد ثابتة بهذا النص ، سواء تضمنت الأناجيل المتداولة هذه البشارة أم لم تتضمنها . فثابت أن الطريقة التي كتبت بها هذه الأناجيل والظروف التي أحاطت بها لا تجعلها هي المرجع في هذا الشأن .

وقد قرئ القرآن على اليهود والنصارى في الجزيرة العربية وفيه : ( النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) . . وأقر بعض المخلصين من علمائهم الذين أسلموا كعبدالله بن سلام بهذه الحقيقة ، التي كانوا يتواصون بتكتمها !

كما أنه ثابت من الروايات التاريخية أن اليهود كانوا ينتظرون مبعث نبي قد أظلهم زمانه ، وكذلك بعض الموحدين المنعزلين من أحبار النصارى في الجزيرة العربية . ولكن اليهود كانوا يريدونه منهم . فلما شاء الله أن يكون من الفرع الآخر من ذرية إبراهيم ، كرهوا هذا وحاربوه !

وعلى أية حال فالنص القرآني بذاته هو الفيصل في مثل هذه الأخبار . وهو القول الأخير . .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

{ وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل } إنما قال موسى يا قوم وقال عيسى : يا بني إسرائيل لأنه لم يكن له فيهم أب { مصدقا لما بين يدي من التوراة } معناه مذكور في البقرة في قوله : { مصدقا لما معكم } [ البقرة : 41 ] .

{ ومبشرا برسول } عن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى يا روح الله هل بعدنا من أمة قال : نعم أمة أحمد حكماء علماء أتقياء أبرار .

{ اسمه أحمد } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي وأنا العاقب فلا نبي بعدي " ، وأحمد مشتق من الحمد ويحتمل أن يكون فعلا سمي به أو يكون صفة سمي بها كأحمد ويحتمل أن يكون بمعنى حامد أو بمعنى محمود كمحمد .

{ فلما جاءهم بالبينات } يحتمل أن يريد عيسى أو محمد عليهما الصلاة والسلام ويؤيد الأول اتصاله بما قبله ويؤيد الثاني قوله : { وهو يدعى إلى الإسلام } لأن الداعي إلى الإسلام هو محمد صلى الله عليه وسلم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

قوله : { وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم } يعني واذكر قول عيسى ابن مريم لبني إسرائيل : إني مرسل إليكم من ربي أبلغكم دين الحق وأنهاكم عن الشرك والباطل وأتلو عليكم الإنجيل ، { مصدقا لما بين يديّ من التوراة } أي جئت مصدقا لكتاب الله التوراة الذي أنزله الله من قبلي على رسوله موسى ، { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } أي وأحمل لكم البشرى بالنبي العربي الأمي من بعدي واسمه أحمد . فقد كان عيسى ( عليه الصلاة والسلام ) خاتم النبيين من بني إسرائيل . وقد قام في بني إسرائيل مبشرا برسول الله محمد ، وهو أحمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين والمرسلين . وأحمد اسم تفضيل ومعناه أحمد الحامدين لرب العالمين وأكثر النبيين والمرسلين حمدا لله .

ونبوته صلى الله عليه وسلم حقيقة لا شك فيها . إنها حقيقة ساطعة بلجة استيقنتها قلوب أهل الكتاب أنفسهم فما يجحدها الجاحدون منهم إلا استكبارا وحسدا ونفورا من الحق واليقين ورغبة في الضلال والشر ، وإذعانا للهوى الذي يركب النفس المريضة .

قوله : { فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين } لما جاء أحمد صلى الله عليه وسلم قومه بالدلالات الظاهرة والحجج الباهرة بادروه التكذيب وقالوا : إن ما جاءهم به إن هو إلا سحر ظاهر . ذلك قولهم بألسنتهم التي تصطنع الكذب والجحود اصطناعا ، وهم موقنون أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق ويقين ، ليس بالعبث ولا باللغو أو الهزل . فهم لا يكذبون إلا عتوّا ومكابرة وظلما{[4526]} .


[4526]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 360 وتفسير القرطبي جـ 18 ص 83، 84.